اليوم الأربعاء ١١ ديسمبر ٢٠٢٤م

هل وافقت تل ابيب على استخراج الغاز الفلسطيني؟

٢٦‏/٠٩‏/٢٠٢٢, ٩:٣٩:٠٠ ص
الاقتصادية

كتب محمد خالد أبو جياب_ رئيس تحرير صحيفة الاقتصادية

منذ اكتشاف أول حقول الغاز في شرق المتوسط على سواحل قطاع غزة، مطلع العام 2000، منعت إسرائيل السلطة الفلسطينية من استكمال الاستثمار والاستفادة من ثروات الغاز الطبيعي، وعرقلت كل الجهود الدولية بل وتمكنت من اخراج كل الشركات العالمية الكبرى في مجال التنقيب عن الغاز، من الشراكة والتطوير للحقول الفلسطينية والتي كان اخرها شركة شل البريطانية.

تعززت الرؤية الإسرائيلية بضرورة منع الفلسطينيين من استغلال ثرواتهم النفطية والغازية، بعد اكتشافها لحقول الغاز الضخمة، "لفيتان وتمار" عامي 2009 و2010، لتحكم سيطرتها الكاملة على هذه الثروات، وتبدأ مرحلة السيطرة على سوق الطاقة والغاز في الشرق الأوسط.

في يناير 2019 تم التوصل في لقاء دولي عقد في القاهرة، إلى اتفاقية لتأسيس منتدى غاز شرق المتوسط، بعضوية كل من فلسطين، الأردن، مصر، اليونان، قبرص، إيطاليا، إسرائيل، فرنسا، بالإضافة الى كل من الولايات المتحدة وفرنسا كمراقبون دائمون.

ومنذ هذه اللحظة بدأت إسرائيل بالتفكير في بناء شراكات إقليمية عربية ودولية لتمكينها من نقل غازها الى الأسواق العالمية وتحديدا الى أوروبا، في ظل عدم وجود شبكات نقل عالمية يمكن عبرها نقل الغاز من شرق المتوسط الى أوروبا.

وهنا تأتي الأهمية الكبرى لمصر كواحد من اهم مراكز الاستثمار في قطاع الإسالة والنقل للغاز الى أوروبا، مستفيدة بذلك من بنيتها التحتية واستثماراتها الضخمة في محطات الاسالة والنقل البحري، التي تمتلكها، وهي محطة "إدكو" في محافظة البحيرة وتعمل هذه المحطة بطاقة استيعابية تصل إلى معالجة نحو 1.35 مليار قدم مكعب يوميا من الغاز الطبيعى، بالإضافة الى محطة دمياط وتعمل هذه المحطة بطاقة استيعابيه تصل إلى نحو 750مليون قدم مكعب يوميا من الغاز الطبيعى.

فجاءت الحاجة الإسرائيلية الملحة لفتح أسواق عالمية لبيع غازها المُكتشف، لتلتقي بتعظيم عوائد الاستثمارات المصرية الباحثة عن زبائن جدد، تمكنها من العمل الاستثماري، ولتُحقق للدولة المصرية أيضا أوضاعا جيوسياسية أكثر قوة وخاصة في دول التحاد الأوروبي المستهلك التقليدي للغاز عالميا.

وفي هذا السياق، مع مطلع العام 2021 وقعت الحكومة المصرية اتفاقية مع الحكومة الإسرائيلية لنقل الغاز الإسرائيلي من حقول ليفتان وتمار الى محطات الاسالة المصرية في دمياط ومنها نحو الأسواق الأوروبية، وفي ذات اليوم أيضا تم توقيع اعلان مبادئ مصري فلسطيني لبدء المباحثات حول دخول الشركات المصرية كمطور جديد وناقل للغاز الفلسطيني الى الأسواق العالمية، والواضح وفقا للمعلومات الرسمية، هناك تطور كبير في المفاوضات المصرية الفلسطينية، والمتوقع ان يكون هناك اعلان رسمي عن الاتفاق على دخول الشركة المصرية "ايجاز" القابضة للغازات، كمطور اجنبي جديد في حقول الغاز الفلسطينية، بدلا عن شركة شل التي انسحب من الحقل عام 2018.

وتفيد المعلومات بان الشركة المصرية ستشرف أيضا على معالجة الغاز عبر عمليات الإسالة في محطاتها الواقعة في دمياط وهي الأقرب بحريا لغزة.

والواضح أيضا بانه سيتم نقل الغاز الفلسطيني الى مصر عبر ما يعرف بالخط الثلاثي لنقل الغاز، (إسرائيل، فلسطين، مصر) الذي سيساهم في بنائه الأطراف الثلاثة.

كل هذه الخطوات المصرية الفلسطينية بالتأكيد ليست بعيدة عن المتابعة، بل الموافقة الإسرائيلية على ذلك، أولا من منطلق اقتصادي تسعى إسرائيل لخفض قيمة الاستثمار في بناء خطوط النقل للغاز بحريا، عبر مشاركة السلطة الفلسطينية في تكاليف بناء الخط، بالإضافة الى انها وضعت كل مخاوفها الأمنية على طاولة المفاوضات، والواضح انه تم معالجة كل هذه المخاوف عبر الجانب المصري وبالشراكة مع السلطة الفلسطينية دون تدخل أي من الفصائل الفلسطينية حتى الان، في الوقت الذي بدأت فيه مصر بالتواصل مع الفصائل وعلى راسها حماس بهذا الخصوص لوضع التطمينات ومنع أي عرقلة لتنفيذ المشروع في الأشهر القادمة.

كما بدأت مصر أيضا لعب دور الوسيط بين كل من الفصائل الفلسطينية وخاصة حماس، والسلطة الفلسطينية فيما يتعلق بتقسيم الموارد وضرورة معالجة أزمات غزة المزمنة وعلى راسها ازمة الطاقة بالإضافة الى ضرورة تحسين الواقع الاقتصادي للمواطنين وفقا للإيرادات المتوقعة من الغاز الفلسطيني.

والمؤسف حتى الان ان الأطراف الفلسطينية ذات العلاقة سواء في السلطة الفلسطينية او حماس لم يتحدثوا او يتصلوا ببعضهم البعض للبحث في إمكانية التفاهم حول إدارة الموارد الطبيعية وتحقيق عدالة التوزيع بما يعود بالنفع على المواطن الفلسطيني.

ومن الواضح أيضا بان كل ذلك يجري، بتحفيز كبير من الولايات المتحدة الامريكيةـ، في ظل المواجهة غير المباشرة بينها والاتحاد الأوروبي من جانب وروسيا من جانب اخر، في الوقت الذي تستخدم فيه روسيا سلاح الغاز للضغط على الاتحاد الأوروبي "أكبر مستهلكي الغاز عالميا"، في ظل عملياتها العسكرية في أوكرانيا وللحد من دعمه العسكري المقدم لكييف.

وتعتبر الولايات المتحدة مشروع نقل الغاز من منطقة شرق المتوسط ومنها الغاز الفلسطيني، الى الأسواق الأوروبية واحد من اهم الخطوات الاستراتيجية في مواجهة روسيا والحد من نفوذها وقدرتها على لعب دور أكبر في منطقة اليورو او أي منطقة أخرى في العالم.

فهل ننجح كفلسطينيين في تعظيم الفوائد والعوائد لثرواتنا الطبيعية وعلى رأسها الغاز، دون اهدار الفرص الكبيرة التي تنتظرنا، أم ستضيع هذه الفرص في أتون صراعنا الداخلي وانقسامنا السياسي؟؟!! المواطن يريد ان ننجح لتأمين حياة كريمة بحدها الأدنى فقط