اليوم الاثنين ٢٢ ديسمبر ٢٠٢٥م

المساعدات الانسانية في غزة.. تكرار في النوعية لا يلبي حاجة السكان

اليوم, ١٢:٢٦:١٠ م
المساعدات الانسانية
الاقتصادية

مستفيدون: الاحتياجات تتجاوز الغذاء وصولاً إلى ما يُعيد الانسان لحياته الطبيعية

مختصون: الخلل سببه العشوائية والافتقار لخطة موحدة وتغييب المؤسسات الفاعلة

المنظمات الأهلية: ما يدخل مواد تهدف لإنقاذ الحياة والأصناف الأخرى تواجهها عقبات

تجارة وصناعة غزة تؤكد أهمية الاستفادة من عمليات الإغاثة في مجال التنمية الاقتصادية

قطاع غزة_صحيفة الاقتصادية:

ينظر سكان قطاع غزة إلى نوعية المساعدات الانسانية المقدمة لهم من قبل المؤسسات الانسانية والإغاثية في القطاع وأشكالها بصورة “غير مرضية”.

وبحسب آراء عينات عشوائية من سكان القطاع، فإن المساعدات المقدمة من المؤسسات الانسانية العاملة في القطاع، لا تتناسب إلا مع الحد الأدنى من حاجياتهم.

لا تتناسب مع متطلبات الحياة

ويقول المواطن سالم السرسك إن “المساعدات لا تتناسب مع حاجيات الإنسان الأساسية في ظل فقدان السكان لجميع متطلبات حياتهم خلال الحرب من مسكن وغذاء ودواء”.

ويضيف السرسك أن “المساعدات تتركز في غالبيتها على مواد تموينية كالعدس والأرز والزيت والسكر، ورغم أهميتها للمواطن سابقاً في ظل المجاعة التي كانت تضرب القطاع، لكنها حالياً بحاجة ليضاف إليها احتياجات أخرى تتعلق بطبيعة الأوضاع بعد دخول وقف إطلاق النار لحيز التنفيذ في العاشر من أكتوبر 2025، من توفير بيوت متنقلة وخيام ملائمة لأوضاع الحياة، وتوسيع المساعدات لتشمل أصناف غذائية ذات قيمة والملابس وأدوات الطهي والأدوية”.

ويحتاج قطاع غزة إلى مالا يقل عن 300 ألف بيت متنقل وخيمة لتوفير مأوى مؤقت لمئات آلاف الأسر التي فقدت منازلها خلال عامين من الحرب.

ويشير السرسك لى أن “تكرار توزيع نفس نوعيية المساعدات يقلل درجة الفائدة الغذائية للمستفيدين ولا يساهم على سبيل المثال بحل مشاكل رئيسية عانى منها السكان كسوء التغذية التي راح ضحيتها المئات في غزة”.

الحاجة لأصناف جديدة وجودة

كما يرى المواطن محمد البيطار أن “المساعدات تفتقر لأصناف جديدة ومهمة من الطعام كاللحوم الحمراء والبيضاء”.

ويقول البيطار إن الأمر يطال أيضاً جودة المساعدات المقدمة “فعلى سبيل المثال الخبز الموزع من قبل بعض المؤسسات الدولية على النازحين بجودة منخفضة فالذي يباع للمواطنين بنفس المخابز التي تصنعه للمؤسسات يتمتع بجودة عالية، ويختلف عن ما يوزع، رغم أنه يصنع في نفس المكان، ما يستلزم الاشراف على آليات عمل هذه المخابز”.

فيما تشير السيدة عفاف فارس إلى أن “الحياة لا تقتصر على الطعام، فظروف الحياة تتطلب حالياً توفير الفراش بكافة مكوناته، فليس من العدل أن تحصل عائلة مكونة من عشرة أفراد على عدد 2 بطانية وأسرة مكونة من 4 أفراد على نفس العدد”.

وتبين فارس أن “الفراش اللازم لكل أسرة يشمل البطانيات والفرشات والوسادات والسجاد لفرشه أسفلهم لتوفير نوع معين من التدفئة”.

وتدعو إلى ضرورة “إعطاء فرصة واسعة للمواطنين للحصول على المساعدة وعدم اقتصارها مدة صلاحية حصول المستفيد عليها ليوم واحد”. مبينةً أنها في “إحدى المرات وصلتها رسالة للحصول على مساعدة وذهبت في اليوم الثاني من الموعد، وأبلغت بأنها لن تستطيع الحصول عليها كونها تأخرت عن الموعد”.

صلاحية وتوسيع للبرامج

وحول الجودة يقول الخمسيني زياد الغرة، إنه “تلقى رسالة من إحدى المؤسسات للحصول على طرد فواكه وخضار، وعند عودته للمنزل اكتشف بأن بعضها تالف نتيجة عدم وضعها بأكياس تتلائم مع طبيعتها”.

ويدعو إلى ضرورة إدخال أصناف كبيرة من الأغذية اللازمة للأطفال للحفاظ على استقراهم الصحي كالتي تحتوي على الفيتامنيات كالـ“الحليب والبسكويت والمكملات وارفاقها بأدوية أخرى تتناسب مع الأمراض التي ظهرت مؤخراً بشكل واسع في القطاع كسوء التغذية والكبد الوبائي والفطريات الجلدية”.

مساعدات نقدية ومشاريع

إلى ذلك، يؤكد المواطن عبد الناصر العوضي، على ضرورة استبدال المساعدات الغذائية لتشمل فئات أوسع، بالنقدية لاعطاء المستفيدين فرصة لشراء الاحتياجات الأكثر إلحاحاً.

ويشدد على أن المساعدات النقدية الموزعة في غزة عبر منظمات “كاليونسيف” ساعدت الكثير من الفئات على تلبية الكثير من المتطلبات التي لم تلبها منظمات أخرى.

فيما يقترح المواطن موسى عياد، الاتجاه نحو إنشاء التعاونيات المجتمعية التي تمكّن الناس من الاعتماد على أنفسهم وتبادل الموارد والخدمات بشكل منظم.

وينوه إلى أن “المساعدات العينية مؤقتة وغالبًا ما تفتقر إلى الكفاءة والعدالة، بينما التعاونيات تخلق فرص عمل، وتدعم الإنتاج المحلي، وتُعيد الكرامة للمستفيد بدلاً من تحويله إلى متلقٍ دائم للمساعدة”.

كما تقترح السيدة وردة رضوان، الاعتماد على المشاريع التشغيلية المستمرة بما يرفر دخلاً للعائلات في ظل الاوضاع الاقتصادية الصعبة في غزة، وما أنتجته الحرب من دمار كبير في الاقتصاد الفلسطيني.

وتحث على ضرورة وضع خطة طوارئ متفق عليها بين المؤسسات الدولية والاغاثية بما يلبي كافة احتياجات السكان في كافة الأصعدة “المأوى ولغذاء والدواء وغيرها”.

عدم وجود خطة استجابة موحدة

بدوره، يقول مؤسس شبكة لجان العمل التشاركي بغزة لؤي المدهون إن الخلل في نوعية المساعدات المقدمة لسكان القطاع وتكرارها، سببه عدم وجود خطط استجابة موحدة لدى المؤسسات، فكل مؤسسة تعمل وفق خطة خاصة بها، بما يخلق عشوائية في العمل، وتكرار في نوعية المساعدة المقدمة للمواطن.

ويضيف المدهون أن غياب الدور الحكومي والجهات الناظمة ووجود سيستم وطني تخضع له كل المؤسسات أحد الأسباب الرئيسية في عشوائية توزيع المساعدات حالياً في القطاع.

ويشير إلى أن حاجة المواطن في غزة اختلفت حالياً عما كانت عليه خلال الحرب من الحاجة للحصول على الغذاء إلى الحاجة الملحة لوسائل الإيواء والتدفئة والإنارة.

السيستم الوطني

ويبين أن “ قطاع غزة بحاجة لإعادة تنظيم كل العمل الإغاثي عبر الخضوع لسيستم وطني يجمع كل المؤسسات ويحددد طبيعة احتياجات المواطنين، وإنهاء ظاهرة المخيمات العشوائية وتحويلها إلى منظمة، بما يساهم في الحد من تكرار المساعدات وينهي حالة الفوضي في التوزيع”. منوهاً إلى أن عشوائية العمل حالت دون وجود جهة حقيقية قادرة على توجيه المانحين نحو حاجيات المواطنين في القطاع.

وينوه إلى أن “المواطن بحاجة ترافقاً مع ذلك لخدمات شمولية من المؤسسات تتنوع ما بين تقديم الغذاء والمستلزمات الصحية والإيواء الملائم من خيام قوية وبيوت متنقلة ووسائل الطاقة والخدمات الخاصة بالمياه والصرف الصحي بما يحفظ كرامة الانسان”.

الاتجاه للمشاريع والقسائم الشرائية

ويؤكد ضرورة الاتجاه نحو تمكين المواطنين اقتصادياً من خلال المشاريع الصغيرة بما يقود الاقتصاد الغزي نحو التعافي من آثار الحرب السلبية عليه.

ويشدد على “ضرورة الاتجاه نحو تحويل المساعدة الى نقدية او قسية شرائية بما يلبي احتياجات الاسر في ظل انخفاض الاسعار وبما يحسن جودة الحياة، ويمنح المواطن استجابة أكثر دقة ويجعله يتلقى المساعدة بصورة محترمة”.

ويدعو المدهون إلى ضرورة عقد مؤتمر بمشاركة المؤسسات المحلية والدولية يضع خطة استجابة موحدة تخدم حاجة المواطن الفلسطيني، وآليات عمل بين جميع الجهات تقوم على عقد اجتماعات دورية تخرج في كل مرة بتصورات تلبي طبيعة كل مرحلة يعيشها الفلسطيني في القطاع.

ويطالب المدهون بضرورة تغير المؤسسات لطريقتها في تقديم المساعدات للمواطنين بعيداً عن العشوائية والمزاجية والآليات التي لا تستند للقوانين واللوائح الناظمة والقائمة على المسائلة والمحاسبة لجميع الأطراف.

عقبات وتحديات

من جانبه، يقول رئيس شبكة المنظمات الاهلية بغزة أمجد الشوا، إنه لا يمكن استبدال ما يوزع من مواد أساسية بأصناف أخرى كونها تقدم من البلدان على أنها أصناف لإنقاذ الحياة، وهو نظام عالمي معمول به من جميع المؤسسات حول العالم.

ويضيف الشوا أن “المؤسسات لا تستطيع إضافة اللحوم على سبيل المثال لبرامج عملها بغزة، لأسباب تتعلق بعمل المعابر وإمكانية بقاءها لعدة أيام دون أن تدخل، وشروط ومعايير تخزين معينة”.

ويتابع أن “المواطن من حقه الحصول على الشوكولاته على سبيل المثال لكن المؤسسات الدولية تنظر إليها بأنها بدون قيمة غذائية، مما يعني أن ما يدخل ويوزع يختار وفق شروط ومعايير”.

ويؤكد أن “المؤسسات الدولية تتجه حالياً نحو تفعيل نظام القسائم الشرائية كون المواطنين يستطيع من خلاله توفير معظم احتياجاته الأساسية”.

الاستفادة في مجال التنمية الاقتصادية

وحول أهمية الاستفادة من عمليات الإغاثة في مجال التنمية الاقتصادية وعودة الحياة للقطاعين التجاري والصناعي، يقول رئيس غرفة تجارة وصناعة غزة عائد أبو رمضان إن تخصيص جزء بسيط من قيمة المساعدات المقدمة لقطاع غزة والبالغة 4 مليارات دولار لصالح التنمية الاقتصادية والتجارية والصناعية والزراعية أمر هام من شأنه إعادة جزء من دورة الاقتصاد المحلي.

ويشدد على أن المساعدات مهمة في الوقت الحالي خاصة وأن جميع السكان أصبحوا تحت خط الفقر لكنها قد تضر بالاقتصاد حال لم يجري عمل شراكات مع القطاع الخاص تساهم بالنهوض الاقتصادي “من خلال على سبيل المثال جعل تجار من يقومون بجلب وشراء المساعدات للقطاع”. بالإضافة للتركيز على المساعدات النقدية والتي تعتبر ذات فائدة أكبر للمستفيدين، وتجعلهم يوفرون حاجياتهم، بما يعيد الدورة التجارية والصناعية.

تغييب مؤسسات فاعلة

بدوره، يرى الخبير الاقتصادي أحمد أبو قمر، أن “تغيب مؤسسات رئيسية “كالأونرا” عن العمل في المجال الانساني واستبدالها بأخرى ذات خبرة قليلة ساهم بخلق مشكلة في آليات توزيع المساعدات ونوعيتها”.

وفي 28 أكتوبر/تشرين الأول 2024، صدّق الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي على قانونين يمنعان الأونروا من ممارسة أي أنشطة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما يقضي بسحب الامتيازات والتسهيلات المقدمة لها ومنع أي اتصال رسمي بها، ودخلا حيّز التنفيذ في 30 يناير/كانون الثاني الماضي.

ويقول أبو قمر إن “نوعية المساعدات الموزعة في القطاع أصبح لدى المواطن اكتفاء ذاتي منها بسبب تكرارها في كل مرة”.

ويتساءل أبو قمر: “ما المشكلة في توزيع اللحوم والبيض إلى جانب المواد التموينية الأخرى كالأرز والعدس والزيت وغيرها”.

ويؤكد أن “الحل الأمثل لمشكلة نوعية المساعدات عودة عمل المؤسسات الانسانية الكبيرة لغزة كالأونروا لما لها من ادوات ضغط عالمية قادرة على إدخال تحسينات على الدعم الانساني الواردة من دول العالم”.

مؤسسات بدون خبرة

ويشدد على أن “وجود مؤسسات لا تمتلك خبرة واسعة ولا تتمتع بعلاقات قوية مع دول العالم يساعد في تحقيق أهداف إسرائيل بهندسة التجويع في غزة”.

وينوه إلى أن “احتياجات سكان غزة توسعت حالياً لتشمل البيوت المؤقتة والخيام ومستلزمات البناء وهو ما لا يشمله البروتكول الانساني ولا تعمل ضمنه المؤسسات الدولية بالقطاع”.

تواطؤ

ويلفت إلى أن “هناك تواطؤ من بعض المؤسسات مع إسرائيل (بقصد أو بدون قصد) في مسألة توفير حاجيات سكان غزة من المأوى ونوعيات الطعام التي لا تشملها حالياً المساعدات”. ويتابع: “على سبيل المثال هناك خيام تدخل للغزيين مصنوعة من قطع قماش لا تتناسب مع ظروف المعيشة في فصل الشتاء رغم أن الكثير من المؤسسات على خبرة ودراية بنوعية الخيام التي تناسب أوضاع السكان كونها قدمت مساعدات مثل هذا النوع على مدار عامين من الحرب”.

ويطالب الخبير الاقتصادي، المؤسسات الدولية باستفتاء أراء المواطنين ومعرفة متطالباتهم بما يحسن الخدمة المقدمة للغزيين في ظل الاوضاع الكارثة التي فاقت التصور الانساني.

 

التقرير ممول من الاتحاد الأوروبي