ألقت الأزمات الاقتصادية المتتالية على قطاع غزة بظلالها على مستوى المعيشة فيها، وانعكس ذلك سلبا على كميات وأنواع المشتريات، ويبدو أن التقشف صار ظاهرة، بعد أن أصبح معظم سكانه، دون خط الفقر والذي يتمثل بدخل يومي يقل عن دولارين في اليوم الواحد للفرد.
ومع صعوبة الحال، لجأت عدة شركات متخصصة في مجال التغذية والتجارة إلى استحداث فكرة بيع بعض المنتجات الأساسية بشيكل واحد فقط ،وهو القيمة الأدنى في عملة الاحتلال،فأصبحت القهوة والصلصة، والتوابل ، والأجبان ، والشاي ، وغيرها من المستلزمات الغذائية الأساسية، والكثير من السلع الأخرى تباع بشيكل واحد، لتمشية الحال، وهذا يدل على أن القدرة الشرائية للمواطن تدنت إلى درجة التقشف ،خاصة مع تخلي الكثير من المستهلكين عن عاداتهم الشرائية ، بالكليوات والكميات الكبيرة نظرا لتردي أوضاعهم الاقتصادية.
وقال المواطن محمد حسونه ( 36 عامًا) الذي يعيل خمسة أبناء ويعمل في حكومة غزة؛ أنه اعتاد منذ خمسة أعوام على شراء هذه الأصناف، لعدم توفر المال الكافي لشراءهابالكمايات الكبيرة، مشيرا الى لجوء الكثيرين من زملاءه في العمل إلي منتجات أبو الشيكل لتوفير قوت يومهم “لحين ما ربنا يفرجها” متمنيا بأن يسري تطبيق الشيكل في قطاع غزة على كافة المنتجات والسلع الأساسية.
اقبال عريض
من جانبه قال اسامه عطا (52 عامًا) صاحب بقالة بحي الشجاعية،إن هناك العديد من السلع بغزة تراجعت من بيع الكيلوات أو أقل، مشيرا الى أن منتجات أبو الشيكل لم تتوفر في بقالته إلا بعد الحصار الإسرائيلي الذي فُرض على قطاع غزة، وتحديدا قبل ثلاثة أعوام.
وقال في حديث لــ”الاقتصادية”إن هذه الاصناف هي لتمشية الحال ، مثلا لوجبات فطور الصباح كالجبنة وزيت الزيتون وغيرها ، وتستعمل أيضاً لطبخة اليوم ، مشيرا الى أنها مستلزمات أساسية، وكل ربة منزل تحتاجها، ولا يمكن الاستغناء عنها.
أما مدين أبو حميد مدير شركة أبو حميد للتجارة والصناعة بغزة، فقال:” إن هذه السلع تم استحداثها لتتناسب مع أصحاب ذوي الدخول المحدودة والمنخفضة وتناسب الظروف الصعبة التي يعانيها القطاع بعد الحصار الإسرائيلي، خصوصا في مناطق المعسكرات.
ويوضح للإقتصادية”” أن هناك إقبالًا عريضًا من المستهلكين لشراء هذه السلع، لافتا الى أن شركته تعمل على خطة تطويرية لإدخال العديد من المنتجات الأخرى للسوق المحلي ،مشيرا الى انه تم استحداث مؤخرا سلعة الطحينة لتضاف لقائمة اسعار الشيكل.
أما عمر حرب الذي يعمل بشركة أبوسكندر قال إن شركته تداركت الواقع الاقتصادي، والوضع المعيشي الذي آلَ إليه القطاع، فجلبت آلات خاصة لتعبئة منتجات غذائية تناسب المستهلكين من بعض أصناف الاستخدام اليومي ، خصوصا بعد تردي الاوضاع الاقتصادية ،خاصة أن هناك العديد من الأسر لا توجد معها سيولة كافية فتلجأ الي هذه الاصناف ،وشعارهم في ذلك “علي قد لحافك مد رجليك”
وقديما كان تغليف كيلو قهوة يتوزع على أربع أغلفة، أما الآن فذات الكمية توزع علي قرابة 50 مغلف صغير.
ولا يقتصر على القهوة وحدها مقابل شيكل واحد، بل تعداها سلع أخرى تباع بنفس السعر، كزيت الزيتون، والطحينة، والخميرة، والشاي، وصلصة الطماطم، والبهارات بأنواعها، والشامبو.
وأخير زودت الشركات العاملة أصحاب المحلات في غزة سلعة أبو الشيكل الي اكثر من 50 صنفاً ،والتي كانت في البداية لا تتجاوز عشرة أصناف .
تقنين الاستهلاك
ويري الخبير الاقتصادي د. معين رجب أن لجوء الشركات إلى تغليف المنتجات وبيعها بهذا الشكل يعود إلى ضعف القدرة الشرائية للمستهلك الذي بات غير قادر على شراء كميات كبيرة من السلعة،ولفت إلى أن هذا يتفق مع سياسة تقنين الاستهلاك بدلاً من شراء عبوات كبيرة يتم تخزينها.
وأكد على أن أصحاب الشركات يريدون المحافظة على مستوى المبيعات لديهم، وانخفاض المبيعات يعني تراجعًا في الأرباح؛ مما جعلهم يسدون هذا العجز بهذه السلع الصغيرة، متوقعاً دخول العديد من السلع الجديدة ضمن هذا الإطار.
وقال رجب أن معدلات البطالة المرتفعة،، إضافة إلى وجود نحو 45 ألفًا من موظفي حكومة غزة لا يتقاضون رواتبهم، وفقر يصل إلى أكثر من 60%، دفع الناس إلى تلك السلع، مشيرا الى أن الحصار ساهم في إضعاف القدرة الانتاجية والشرائية وأن لجوء الناس لهذه السلع، ما جاء إلا لضعف القدرة الشرائية لديهم، حيث لا يتمكن معيل الأسرة من توفيرها بكميات تكفي على مدار الشهر، وذلك لعدم توفر النقود، فيستعيض بسلع ذات سعر منخفض “تمشية للحال” ،وهو نوع من أنواع التقشف الذاتي،بسبب عدم توفر السيولة النقدية لدى المواطنين.
وأعتبر الخبير الاقتصادي، أن هذا عمل تسويقي ناجح يساعد على التعامل مع طبقة عريضة من المستهلكين، ويحقق الغرض الذي استحدث من أجله ، وهي من أشكال التسويق السريع، الذي يتناسب مع أصحاب ذوي الدخول المحدودة والمنخفضة، بحيث يؤدي الى زيادة المبيعات من خلال الطلب المتزايد بسبب انخفاض سعرها الذي يكون في متناول الجميع، مما جعل كميات المشتريات تخضع للقياس والتقويم والتعديل من رب الأسرة.
شراء سلعة “أبو الشيكل” بهدف تأمين الأسر لقوت يومهم ،لا يعني حل أزمة الأمن الغذائي للمواطنين في غزة ، فمن يستطيع تأمين قوت يومه اليوم، قد لا يستطيع غدا.
ومنذ عام 2006وحتى الان لازالت اسرائيل تفرض على غزة حصارا بريا وبحريا،رغم تشكيل حكومة التوافق قبل عام ونصف .