في الوقت الذي يشهد قطاع غزة أزمة في الوقود من وقت لأخر ،نجحت شركة فلسطينية محلية بإنتاج غازي الميثان وثاني أكسيد الكربون من النفايات العضوية، قادر على تغطية 10 % احتياجات القطاع من الغاز ، والمساهمة في حل أزمتي البطالة والكهرباء المتواصلة منذ 9 سنوات.
واتجهت شركة “أكنان” بغزة، المعنية بالبحث العلمي في قضايا الطاقة والبيئة، والتي تضم مجموعة من الإستشاريين والمهندسين المحترفين، لإيجاد نموذج بحثي نمطي صغير يمكن تحويله ليكون أول مشروع إستثماري إنتاجي في هذا المجال، حسب المعايير والمواصفات الدولية.
مدير عام الشركة د. محمد أبو وهبة قال:”إن جودة وكميات الغاز المنتج هو أهم ما نسعي إليه من خلال هذا المشروع الريادي، والأول من نوعه على مستوي فلسطين، بالرغم من نقص وندرة الإمكانات الفنية والتقنية في قطاع غزة، إلا أن ذلك لم يمنع الباحثين من التطلع الي تقديم حلول بيئية تساعد المزارعين والصناعيين.
وتابع أبو هيبة:” أن الهدف من المشروع هو الإنتقال من مرحلة البحث العلمي، إلى عملية إنتاج غازي الميثان CH4 وثاني أكسيد الكربون CO2 , والأسمدة الحيوية بما يحقق الجدوى الاقتصادية والبيئية، ويتم التحكم فيها باستخدام الحاسوب، من أجل السيطرة علي العوامل المؤثرة في الإنتاج، ومنها الحرارة، والضغط، ونسبة الحموضة، ونسبة الكربون للنيتروجين.
ونوه “أبو هيبة” إلى أن وحدة البحث جاءت لتستثمر عقول الباحثين والإستشاريين في مجالات عدة بهدف وضع قدم غزة علي سلم الطريق نحو التقدم العلمي في هذا المجال رغم حصارها.
وأكد أبو هبة أن احتياج قطاع غزة من الغاز يقدر بحوالي 300 طن يوميا، وانه باستطاعتنا إذا تم استخدام جميع النفايات العضوية الموجودة في قطاع غزة، أن نوفر من 30 الي 50 طن غاز يوميا. وحسب المخطط سيكون الإنتاج بحجم ألف كوب يوميا .
وقال أبو هيبة: إن ما يشجعنا على المبادرة في تنفيذ الفكرة على المستوى المحلي هو توافر كميات كبيرة من المخلفات العضوية في القطاع، حيث تشكل المواد العضوية 60% من المخلفات الصلبة، إضافة إلى أن قطاع غزة ينتج يوميا ألف طن مخلفات عضوية تقريباً، وألف طن المخلفات الزراعية، مما يجعلنا نستفيد منها بشكل كبير لإنتاج كمية لابأس بها من الغاز .
وأشار الى أن مؤسسة أكنان تبحث عن حلاً لمشكلة بيئية واقتصادية تساهم في حل العديد من المشاكل البيئبية. من هنا بدأ العمل في المشروع .. حيث وجدنا أنه يمكن بسواعد المهندسين الشباب، تصنيع نموذج يستوعب 2 متر مكعب من المخلفات ويتم إنتاج الغاز بشكل يحاكي الواقع وحسب المعايير الدولية ومن خلال التحكم به بواسطة الحاسوب.
وسيتكون المشروع من العديد من الوحدات الإنتاجية التي تبدأ باستقبال ومعالجة أولية للمواد العضوية، ثم نقلها إلى أجهزة تعمل على إنتاج الغاز الحيوي، ومن ثَمَّ وحدة فصل الغازات، بالإضافة إلى وحدة إنتاج الكومبوست، بهدف سد جزء من إحتياجات قطاع غزة من هذه المواد.
مساهمة في حل أزمة الكهرباء
وقال أبو هيبة إن هذا النموذج المصغر يحاكي الواقع حيث أن إنتاجه من الغاز الحيوي يمكن أن يُسهم بشكل جزئي في حل أزمة الكهرباء بقطاع غزة، والإستفادة من هذه المنشأة في محطة توليد الكهرباء التي أقيمت في الأساس لتعمل بالغاز، وتم تعديلها بعد ذلك لتعمل على السولار الصناعي.
وأوضح كذلك أن قطاع غزة يعيش منذ عدة سنوات، حالة عدم استقرار في امدادات الطاقة وعدم توافر مصادر بديلة مما أدى إلى تزايد الفجوة بين كميات الطاقة المتوافرة وحجم الطلب.
وبين أبو هيبة، أنه اذا تم إستغلال هذه الكميات بشكل كلي ومعالجتها، سيتم انتاج كميات من غاز ثاني أكسيد الكربون والكومبوست تكفي حاجة قطاع غزة كلياً، وإنتاج كميات من غاز الميثان تسد 10% تقريباً من حاجة قطاع غزة، بالإضافة إلى المساهمة في تقليص المساحات المستهلكة كمكبات للنفايات التي تشكل بدورها مكرهة صحية يجب الحد منها.
بدوره قال رائد أبو شهلا المدير التنفيذي للشركة:” منذ عام، لم يتوقف فريق العمل والباحثين في الشركة عن العمل، لابتكار هذا النموذج المصغر لهذا المشروع الذي يُعد الأول من نوعه في فلسطين من حيث تقنية التشغيل والتصميم والتكامل.
وتابع أبو شهلا: أن للمشروع العديد من الأهداف والغايات، كونه مشروعاً إقتصادياً إستراتيجياً يخدف جميع شرائح وقطاعات المجتمع الفلسطيني، ويعمل على حل العديد من المشكلات الإجتماعية والإقتصادية.
خفض معدلات البطالة
وعن دوافع المشروع قال :”إن حالة عدم الإستقرار في إمدادات الطاقة وعدم توافر مصادره البديلة في قطاع غزة ،أدت إلى تزايد الفجوة بين كميات الطاقة المتوافرة وحجم الطلب، حيث بلغت نسبة العجز في الكميات الواردة لغاز الطهي حوالي 50% من حجم الطلب اليومي (البالغ 300-400 طن يومياً)، مما أثَّر سلبا على العديد من القطاعات الحيوية كالصحة والصناعة والزراعة.
وأكد أبو شهلا أن إنتاج غاز الميثان من المخلفات العضوية قد أثبت نجاعته تقنياً واقتصادياً على الصعيدين العالمي والإقليمي .
وأكد قائلاً إن هذا المشروع عبارة عن الانتقال الى مرحلة الاستثمار، لأن قطاع غزة يعاني من ويلات الحصار، التي تمخض عنها نقص حاد في كميات الغاز،اللازم في المجال الصناعي.
وعن أهم المعيقات التي تواجه المشروع قال: إن العائق الأساسي هو الحصار المفروض على قطاع غزة حيث نعاني من شح في الموارد اللازمة لإتمام هذا المشروع بصورة كاملة ،لكن بالرغم من ذلك بسواعد شبابنا ومهندسينا بالشركة تم الاستعانة بالبدائل الداخلية
بدوره قال الخبير البيئي م. نزار الوحيدي : ” إن منع الاحتلال دخول الأسمدة الكيميائية ، أثر في أسعار الأغذية وفي خصوبة التربة وأثر أيضاً علي قدرة المزارع الربحية، من هنا استطعنا أن نستخدم كل ما ينتج من الهاضم في إنتاج السماد العضوي “الزبال” الكومبست” وأصبحنا نقدم حلا زراعيا،و صديقا للبيئة ليس كاستخدام الأسمدة الكيميائية، التي لها أضراراً ولها اثار سلبية علي التربة وعلي وصحة الانسان.
وقال الوحيدي إن غزة لا تتوقف عند أزمة، أو حدث معين بل تنهض لتقف على قدميها مقدمة حلول خلاقة لبعض أزماتها الرئيسة، كأزمة الطاقة ، ونقص الوقود،
لذذلك كانت تجربة أكنان في ابتكار نموذجاً يتم فيه انتاج ومعالجة الغاز الحيوي، يهدف الي سد حاجة المستهلكين من غاز الميثان وثاني أكسيد الكربون، أمراً رائداً وخطوة رائعة .
وقال إن “سنوات الحصار الطويلة التي فرضت على قطاع غزة جعلته يتأقلم مع الظروف التي فرضت عليها، ومنها البحث عن بدائل للموارد التي حرمه الاحتلال منها وكان على رأسها الوقود”،مشيرا الي أن غاز الميثان المستخرج من المخلفات العضويةأثبت نجاعته تقنياً واقتصادياً على الصعيدين العالمي والإقليمي، حيث يتم الاستفادة منه خلال حرقه مباشرة، أو للتسخين والتدفئة أو لتوليد الكهرباء، خاصّةً مع قدوم فصل الشتاء البارد.
أما غاز ثاني أوكسيد الكربون فيستخدم بقطاع غزة في ورش الحدادة، والمشروبات الغازية، ويمكن إدخاله في الدفيئات الزراعية مما يساهم في تنشيط عملية الإنتاج، التي يمكنها التخفيف من حدّة الحصار.
كما أن استغلال الكميات بشكل كامل سيؤدي الى تدني المساحات المستهلكة كمكبات للنفايات الأمر الذي يعدّ حلّاً للكثير من المشاكل الصحية في القطاع. ،ممكن نغطي الاحتياج من الكومبست الذي يتم استيرادة ، علي المدي البعيد ممكن نغطي احتياجات القطاع ، ونغطي الاستيراد
فعلى سبيل المثال؛ فقد نشرت مجلة الصحة والطفل الأمريكية في العام (2008) تقرير رسمي مفاده أن الولايات المتحدة أنتجت ما يقارب 100 بليون كيلو وات ساعة من الكهرباء اعتمادا ًعلى المخلفات الحيوانية. وفي السياق ذاته، اعتمدت المملكة المتحدة جزئيا على غاز الميثان لإنتاج الكهرباء في بعض المدن البريطانية .
وكدليل على جدوى الفكرة اقتصاديا؛ فقد قامت الهند بتصنيع حوالي مليوني وحدة إنتاج متخصصة لإنتاج غاز الميثان من المخلفات العضوية مما أدى إلى توفير كميات كبيرة من الكهرباء النظيفة لملايين المواطنين وخصوصا في المجتمعات الريفية والزراعية
أما إقليميا، فقد شهدت العديد من الدول العربية كالأردن ودولة الإمارات العربية المتحدة تجارب مماثلة كدليل آخر على نجاح فكرة المشروع نظريا وعمليا على المستويات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية .
ولا يزال قطاع غزة الذي يقبع تحت حصار (إسرائيلي) خانق للعام التاسع على التوالي،يعاني من أزمتي الكهرباؤ والوقود لاسيما غاز الطهي المنزلي و، خصوصا في فصل الشتاء .