رجب: رفع الحصار والقيود ضرورة لنمو الاقتصاد
أبو رمضان:الاقتصاد بحاجة لتحسن سياسي وأمني
حلس: إنهاء الانقسام السياسي ضرورة للاستقرار الاقتصادي
لم يعد الاقتصاد الفلسطيني قادراً على تحديداً مسار تنميته المستقبلية في عام 2016 نتيجة حالة التقلب التي يمر بها منذ سنوات ،لاسيما بعام 2015،في ظل استمرار الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة،واستمرار الهبة الجماهيرية التي انطلقت دفاعاً عن المقدسات،ومواصلة الاحتلال الإسرائيلي لسياسة الخنق الاقتصادي وحرمان الفلسطينيين من استغلال مواردهم.
وتعرض الاقتصاد الفلسطيني خلال السنوات الأخيرة لسلسلة صدمات متتالية على الصعيد المالي والسياسي والأمني، تمثلت بالاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية عبر شن الحروب والحملات الأمنية ،والحجز على أموال المقاصة وتشديد الحصار على غزة وزيادة القيود والمعيقات في الضفة من حين إلى آخر، وتقييد حركة التنقل والنفاذ للأفراد والبضائع ،وتذبذب حجم المساعدات الخارجية وانخفاضها في السنوات الأخيرة وربطها في بعض الأحيان بالمواقف السياسية للسلطة الفلسطينية.
ويرى خبراء اقتصاديون أن مستقبل نمو الاقتصاد الفلسطيني في العام 2016 مرتبط بحل العقبات السابقة خلال الفترة القادمة،مشيرين إلى أن التنمية الاقتصادية في 2015 عانت من ركود كبير بفعل العدوان الإسرائيلي على القطاع في 2014،وتواصل الهبة الجماهيرية،الأمر الذي خلق نشاطاً إيجابياً ضعيفاً.
ويقول المحلل الاقتصادي معين رجب لـ"الاقتصادية" إن الأوضاع الاقتصادية في 2015 تميزت بمرحلتين، المرحلة الأولى تمثلت في النصف الأول من العام عبر تأثرها بالوضع السابق في 2014 والذي اتسم بالركود والتراجع في النمو الاقتصادي، بسبب الحرب على غزة في 2014، وتأخر الدول المانحة في تقديم تمويل برامج إعادة الاعمار، حيث لم تشهد هذه الفترة نمو اقتصادي ايجابي، بل تراجع.
ويرجع رجب السبب في التراجع إلى إحكام الحصار على غزة عبر منع إسرائيل دخول العديد من مواد البناء إلى القطاع واستمرار إغلاق معبر رفح الخاص بتنقل الأفراد إلا لحالات استثنائية وتدمير ما تبقى من الأنفاق الحدودية مع مصر،مما ساهم في تضرر مصالح عشرات الآلاف من الفلسطينيين .
وفيما يتعلق بالمرحلة الثانية يبين رجب أنه على الرغم من بدء عمليات إعادة اعمار القطاع بشكل متأخر وبطيء، إلا أنها أنعشت قطاع المقاولات وإن كانت قد احتضنت بخطة سيري التي كانت معيقة في تسريع وتيرة إدخال مواد البناء وتوفير الدعم المالي اللازم لإتمامها.
ويفيد أن الفترة الأخيرة من عام 2015 التي شهدت تمويل دولة قطر لأكثر من 1000 وحدة سكنية، وتأكيدها على استمرارية المشاريع السابقة للطرق، مثل الطريق الساحلي وشارع صلاح الدين ومشروع مدينة حمد السكنية وغيرها من المشاريع التي أدت بدورها إلى تنشيط قطاع المقاولات في القطاع.
كما أكد رجب أن إعلان هيئة الأمم المتحدة "الاونروا" في آخر ديسمبر عن توفر أموال لتمويل نحو 2000 وحدة سكنية يعد مبشراً لتحريك الوضع الاقتصادي موجبا .
وتشير التقديرات إلى أن الاقتصاد الفلسطيني حقق خلال العام 2015 نمواً حقيقياً تصل نسبته إلى 3.1% مقارنة مع تراجع بنحو 0.2% في عام 2014، مدعوماً بشكل أساسي بتزايد الإنفاق الاستثماري المرتبط بعملية إعادة إعمار قطاع غزة، إلى جانب بعض التحسن في الإنفاق الاستهلاكي الممول من الاستدانة والقروض المصرفية وتزايد عدد العاملين في إسرائيل.
كما أشارت التقديرات إلى ارتفاع طفيف بمساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بأسعار تكلفة عوامل الإنتاج إلى 78.8% عام 2015 مقارنة مع 78.3% عام 2014، مقابل انخفاض مساهمة القطاع العام إلى 21.2% مقارنة مع 21.7% عام 2014. ومن المتوقع أيضاً أن تنخفض معدلات البطالة إلى حوالي 25% من إجمالي القوى العاملة مقارنة مع 27% ، إلى جانب تراجع ضئيل بمعدل التضخم إلى 1.5% مقارنة مع 1.7%.
وحول مشاريع الأراضي السكنية، قال رجب رغم وجود خلاف على قانونية هذه المشاريع، إلا أنه في حال نجاحها ستخفف عن معاناة المواطنين وتوفر لهم سيولة تلبي احتياجاتهم واحتياجات جهات أخرى، وسينعكس إيجابا على السوق وعلى المعاملات وسيعمل على تسديد مستحقات جهات أخرى سواء بلديات مثل (الاتصال، الكهرباء، المياه، شركة جوال).
وأضاف أنها ستنعكس إيجاباُ على الموظفين مباشرة وعلى الجهات المتعاونة معهم، وبالتالي تخفف من حالة نقص السيولة وتنشط عمليات البيع والشراء الداخلية وتحسن الأوضاع.
وأكد على أن المشاكل الرئيسية في القطاع لازالت قائمة، حيث أن موظفي قطاع غزة الحكوميين لا تزال مشاكلهم مستمرة، نظرا لعدم تقاضيهم رواتبهم، بالإضافة إلى مشكلة تثبيتهم رسمياً على مستوى السلطة الفلسطينية، ولديهم متأخرات كثيرة بالرغم من أن الجهات التنفيذية في غزة حاولت تخفيف عنهم بعض المعاناة من خلال تسديد مستحقاتهم القديمة.
وحول التوقعات الاقتصادية في عام 2016 قال الخبير الاقتصادي، إنه في حال بقاء المشاكل الرئيسية في القطاع والمتمثلة في الحصار الإسرائيلي، والانقسام السياسي، وبطء عمليات إعادة الاعمار، البطالة العالية وبطالة الخريجين، والفقر الشديد بمعدلات عالية، والبنية التحتية المدمرة، ومشاكل الصرف الصحي، ووضع الوزارات السيئ نتيجة عدم ممارسة حكومة الوفاق مهامها، سيكون الوضع الاقتصادي في كما هو ولن يتحرك إيجاباً .
وتشير تنبؤات سلطة النقد الفلسطينية لعام 2016 إلى حدوث تحسن نسبي طفيف مقارنة بالعام 2015، إذ من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 3.3% مقارنة مع 3.1% في العام 2015، ويتوقع أن ينعكس هذا النمو على الدخل الفردي الحقيقي ليرتفع بنسبة 1% مقارنة مع 1.3% في العام 2015، ليبلغ 1,774 دولار.
وكما تشير التنبؤات إلى أن هذا النمو سيكون مدعوماً بشكل أساسي بزيادة الاستهلاك الخاص الممول من خلال زيادة الاستدانة والقروض المصرفية، لترتفع مساهمة الإنفاق الاستهلاكي للقطاع الخاص إلى 92.3% من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، مقابل تراجع مساهمة الإنفاق الاستهلاكي للقطاع العام إلى 25.8%، وبالتالي ارتفاع مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بأسعار تكلفة عوامل الإنتاج إلى 79%، مقابل انخفاض مساهمة القطاع العام إلى 21% خلال نفس العام. يضاف إلى ذلك زيادة الإنفاق الاستثماري المرتبط أساساً بعملية إعادة إعمار قطاع غزة، لترتفع مساهمته إلى 21.3% من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي المتنبأ به في العام 2016.
وفي السياق يقول الخبير الاقتصادي محسن أبو رمضان إن التقارير الدولية كشفت صعوبة الأوضاع الاقتصادية في القطاع،أبرزها تقرير البنك الدولي الذي أوضح أن نسبة البطالة وصلت إلى 43% من حجم القوى ونسبة الفقر 38% والفقر الشديد 21%، ونسبة انعدام الأمن الغذائي وصلت إلى حوالي 57%.
شوذكر أن القطاع في 2015 مر بحالة من الحصار الشديد الطويل المستمر، بالإضافة إلى 3 حروب أو عمليات عسكرية عدوانية إسرائيلية تم خلالها تدمير البنية التحتية والمرافق الإنتاجية وقطاعات الزراعة والصناعة والمنشآت والمباني وغيرها الأمر الذي أدى إلى تراجع في نصيب الفرد السنوي خاصة في ظل انعدام عملية التصدير وتحويل 80% من المواطنين على المساعدات الغذائية التي تقدمها الأونروا وغيرها من مؤسسات الإغاثة والتنمية العالمية.
وعن توقعاته الاقتصادية في عام 2016 قال أبو رمضان، إنه في حال استمرار الوضع على ما هو عليه، من استمرار للعدوان والحصار والانقسام وغياب وجود حكومة وحدة وطنية فلسطينية، ومنع الإجراءات الإسرائيلية المعيقة لإدخال المواد المختلفة بحجج مختلفة أمنية وغيرها، فإن المؤشرات ليست مبشرة بالخير إلا إذا تم رفع الحصار والسماح لحرية الحركة للأفراد والبضائع والمنتجات بصورة مستمرة، وتشكيل حكومة وفاق وطني أو وحدة وطنية وإدخال قطاع غزة في عملية نشطة من الإعمار عبر التزام المانحين بالبضائع ووجود مشاريع إستراتيجية مثل إنشاء ميناء ومطار ومناطق صناعية وتجارية حرة مشيراً إلى أنه دون ذلك فإن الأوضاع ليست مرشحة للتحسن.
و تشير توقعات سلطة النقد إلى أن الاقتصاد الفلسطيني سينمو بنسبة 7.1% خلال العام 2016 في حال حدوث تحسن جدّي في المسار السياسي والوضع الأمني، وتسريع عملية إعادة إعمار قطاع غزة، والشروع في تنفيذ بعض المشاريع الرئيسية والإجراءات الكفيلة بتحفيز الاقتصاد، بالتزامن مع رفع حالة الحصار والإغلاق عن قطاع غزة، إلى جانب تخفيف القيود على حرية حركة الأفراد والبضائع بشكل عام.
و في حال تدهور الأوضاع السياسية والأمنية بشكل حاد، فإن تنبؤات سلطة النقد تشير إلى تراجع النمو الحقيقي بنسبة 2.4% مقارنة بالعام 2015. وأن يتراجع نصيب الفرد من الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 4.6%. كذلك يتوقع أن يكون لهذا السيناريو تأثير سلبي ملحوظ على معدلات البطالة، لترتفع إلى حوالي 28% من إجمالي القوى العاملة في العام 2016.
بدوره يقول الباحث في الشؤون الاقتصادية رائد حلس،إن الأراضي الفلسطينية شهدت تراجعاً في النشاط الاقتصادي خلال عام 2015، بسبب استمرار الحصار الاقتصادي للعام 9 على التوالي، والذي تزامن مع حالة الانقسام الفلسطيني الداخلي وتدهور الأوضاع السياسية والأمنية بشكل حاد على إثر اندلاع الهبة الجماهيرية في الأراضي الفلسطينية خلال الربع الرابع من العام 2015، الأمر الذي أدى إلى تراجع عدد العمال الفلسطينيين في إسرائيل، وتشديد القيود على حركة الأفراد والبضائع وزيادة العراقيل أمام حركة الاستيراد والتصدير، وانخفاض حجم المساعدات من الدول المانحة لدعم الموازنة ودعم النفقات التطويرية، والتأخر في تحويل أموال إعادة الإعمار.
وأكد حلس أن النتيجة الطبيعية لذلك هي التراجع في مؤشرات النمو لهذا العام بسبب العقبات التي تضعها إسرائيل وارتفاع نسبة البطالة لتتجاوز 44% في قطاع غزة و19% في الضفة الغربية وارتفاع نسبة الفقر إلى مستويات غير مسبوقة وانعدام الأمن الغذائي وزيادة العجز في الموازنة العامة وفي الميزان التجاري, مما سينعكس بالسلب على نمو الناتج المحلي الإجمالي ويساهم في ازدياد الفقر والمشاكل الاجتماعية الناتجة عنه.
وحول أثر الحصار على غزة قال، "لقد أدى الحصار بالفعل إلى وقف عمليات الإنتاج على نطاق واسع وأدى إلى فقدان فرص العمل، حيث بلغ عدد العاطلين عن العمل في الأراضي الفلسطينية حسب تعريف منظمة العمل الدولية 357300 شخص في الربع الثالث من العام 2015، بواقع 201900 في قطاع غزة، و155400 في الضفة الغربية، بالإضافة إلى قيام الاحتلال الإسرائيلي باستهداف البنية التحتية وتدمير المنشآت التجارية والصناعية خلال العدوان الأخير على قطاع غزة في صيف 2014 والتي لم يتم تعويضهم مما أدى إلى شلل القدرة الإنتاجية وانعدام الصادرات".
أما عن أثر الانقسام السياسي فأكد حلس أن الخسائر الاقتصادية الناتجة عنه، كانت أكبر من أثر الخسائر الاقتصادية الناتجة عن الحصار، بالرغم من توقيع اتفاق المصالحة وتشكيل حكومة التوافق الوطني، مؤكداً أن أثره ظل يلقي بظلاله على الاقتصاد الفلسطيني وجعل التعامل مع المشكلات والأزمات في غاية الصعوبة والتعقيد، مما أعاق من جهود هذه الحكومة من تطبيق الخطة الوطنية لدعم الاقتصاد وإعادة إعمار ما دمرته إسرائيل خلال العدوان الأخير على القطاع في العام 2014، بالإضافة إلى عدم التزام الدول المانحة بتعهداتها المالية التي خصصت لإعادة الإعمار بحجة عدم تمكن حكومة التوافق من زمام الأمور في غزة.
وحول ما هو متوقع في العام 2016، أكد حلس أنه في حالة شهدت الأراضي الفلسطينية تحسن إيجابي في المسار السياسي والوضع الأمني ومفاوضات السلام وإنهاء حالة الانقسام وتسريع عملية إعمار قطاع غزة والشروع في تنفيذ بعض المشاريع الرئيسية والإجراءات الكفيلة بدفع عجلة التنمية وتحفيز الاقتصاد، بالتزامن مع رفع الحصار الاقتصادي المفروض على غزة، إلى جانب تخفيف القيود على حرية الحركة للأفراد والبضائع، وزيادة عدد العاملين في إسرائيل، وزيادة وتيرة تدفقات أموال المانحين لدعم الموازنة العامة ودعم الإنفاق التطويري، وزيادة تحويلات القطاع الخاص من الخارج من المتوقع أن تشهد مؤشرات النمو ارتفاع ملحوظ وتحسن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بشكل كبير في العام 2016.
أما في حال استمرار الوضع الحالي كما هو المتمثل في استمرار سياسة الحصار والإغلاق التي تنتهجها إسرائيل تجاه الأراضي الفلسطينية واستمرار حالة الانقسام، وتراجع عدد العمالة في إسرائيل ( وتحديداً عمال الضفة الغربية)، وتأخر عملية الإعمار واستمرار إسرائيل بحظر الأنشطة الاقتصادية في المنطقة ج وإمعانها في خنق الاقتصاد الفلسطيني من خلال سيطرتها على الأرض والموارد الطبيعية ومنع استغلال موارد مهمة (الغاز المكتشف في غزة, والبوتاس في البحر الميت) بالإضافة إلى تأخر عملية إعادة الإعمار من المتوقع انخفاض مؤشرات النمو وزيادة سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في العام 2016.