كشف رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات في مصر المستشار هشام جنينة، أن تكلفة الفساد داخل المؤسسات المصرية خلال عام 2015 تجاوزت ستمئة مليار جنيه مصري (77 مليار دولار)، مشيرا إلى صعوبة حصر حالات الفساد في البلاد، وأن هذه الأرقام هي التي تم حصرها من خلال التقارير الرقابية التي يشرف عليها الجهاز.
ووفقا لمراقبين، فإن تصريحات جنينة -التي نشرت في حوار مع صحيفة "اليوم السابع" المؤيدة للسلطة- تكشف حجم التدهور الإداري والمؤسسي في ظل الحكم العسكري، وسيكون لها تداعيات خطيرة على النمو الاقتصادي في البلاد.
وكانت مؤسسة "شركاء من أجل الشفافية" رصدت تسعين واقعة فساد في مصر خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بزيادة 50% عن الوقائع التي تم رصدها خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول، وجاءت وزارة التموين في المرتبة الأولى برصيد 36 واقعة فساد.
إدارة عسكرية
ويرى المحلل الاقتصادي الدكتور أشرف دوابة أن هذه المبالغ الضخمة التي يأكلها الفساد في مصر ليست مستغربة، معتبرا أنها جاءت نتيجة لإدارة منظمة من جانب الدولة العميقة التي يتولى أمرها الحكم العسكري.
وأكد دوابة للجزيرة نت أن الفساد يؤثر سلبا على الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطنين كالتعليم والصحة وعلى سيادة القانون، كما يشكل معوقا لعملية التنمية الاقتصادية ويزعزع الاستثمار الداخلي والخارجي، ويعيد تخصيص الموارد لصالح محتكري السلطة والمال؛ مما يضعف شرعية الدولة.
وأضاف أن تزايد الفساد في مصر يحول البلاد إلى ما وصفه بسوق لغسل الأموال غير المشروعة، موضحا أن من يتحمل كل تداعيات الإدارة الفاسدة هو المواطن الفقير.
وفي المقابل شككت رئيسة المجلس التخصصي للتنمية الاقتصادية التابع لرئاسة الجمهورية الدكتورة عبلة عبد اللطيف، في أرقام الفساد التي كشف عنها رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات.
وقالت في تصريح تلفزيوني إن هذا الرقم ضخم ولا يصح الإعلان عنه دون تعريف الفساد الذي يقصده جنينة، موضحة أن الاستثمار الأجنبي لن يتأثر بتلك التصريحات، لأن المستثمر الجاد لا يصدق ما يشاع من تصريحات إنما يعتمد على التقارير الدولية المعتمدة.
من جهته، قال الخبير الاقتصادي الدكتور عبد النبي عبد المطلب إن مأساة الفساد في مصر تتلخص في عدم وجود تعريف محدد له، موضحا أن بعض أفعال الفساد تصدر من بعض مسؤولين حكوميين ويتم تجريمها، ونفس الأفعال يتم الإشادة بها في حالات أخرى، وقال إن تعريف الفساد في مصر مرتبط بالحالة الشخصية للحاكم، وليس بالقواعد القانونية.
وأشار في حديث للجزيرة نت إلى مطالبة الجهاز المركزي للمحاسبات كافة الجهات الحكومية في عام 2012 بإمداده بالمكافآت التي حصل عليها المستشارون المؤقتون في الحكومة منذ عام 1990، واتضح أن الحكومة دفعت أكثر من خمسين مليار جنيه، بجانب قضايا فساد في القطاع الحكومي قدرت بنحو مئة مليار جنيه، خلال عشر سنوات.
ورأى عبد اللطيف أن الفساد قبل ثورة 25 يناير كان عامل جذب للاستثمار في مصر، موضحا أن التزاوج بين المال والسلطة كان أحد أهم عوامل جذب الاستثمار وقتها، "لكنه استثمار فاسد لم يساهم في أي تنمية حقيقية".
من جهته رجح الكاتب الصحفي أحمد القاعود أن يفوق حجم الفساد في مصر الأرقام المعلنة، معتبرا أنه لو صدر تصريح مماثل لتصريحات جنينة "في أي دولة لاستقال رئيس الدولة والحكومة، لكن الجميع في مصر متعايش ومقتنع بأن هذا الفساد هو بيئة طبيعية يجب استمرارها".
وأوضح الكاتب الصحفي للجزيرة نت أن علاج الفساد لا يتحقق إلا بثورة شاملة تسقط النظام كله، وتجتث ما وصفه بالعفن المستشري في الدولة المصرية.