لا يزال قطاع السياحة، يواجه رياح العقبات العاتية، للبقاء حاضرًا، رغم الأزمات المتتالية والمتلاحقة التي تعصف بقطاع غزة، لكن هذا الأمر لم يعد سهلاً –وفق اقتصادين- مع فرض الضرائب والرسوم المالية على المنشآت السياحية العاملة في القطاع.
وكانت وزارة السياحة، قد أصدرت قرارًا يلزم المطاعم والمنشآت السياحية في قطاع غزة، بتسوية وضعها القانوني تجاه الجهة الرسمية، ودفع رسوم الترخيص التي تتراوح ما بين 400-1000 دولار سنويًا، بحسب المطعم المرَخّص، متوعدةً من يتخلف عن الدفع بتحويله إلى النيابة العامة.
وقال مدير عام وزارة السياحة والآثار في غزة محمد خلة: "إن الترخيص أمر قانوني لا بد منه"، مبينًا أن القرار الأخير صدر بعد افتتاح الكثير من المنشآت السياحية دون ترخيص، ووقوع بعض الحوادث التي تشكل خطر على حياة المواطنين.
وأضاف خلة: "لا بد لكل المطاعم تسوية وضعها القانوني تجاه الجهة الرسمية، فمنذ عام 2007 كانت المطاعم معفية من رسوم الترخيص بسبب الأوضاع الاقتصادية التي يمر بها قطاع غزة، ولكن نظراً لبعض التجاوزات استئنافنا اصدار القرار ثانية".
وأوضح أن الحوادث التي وقعت في بعض المنتجعات السياحية وضعت الوزارة تحت التساؤلات حول غياب متابعتها، مشيرًا إلى أن التراخيص ستعمل على ضبط الأمور بشكل كامل وستسمح للمواطن أن يزور الأماكن السياحية ويشعر بها بالأمان.
ووصف خلة هذه الرسوم بـ"الرمزية" وأنها "ليست باهظة" ويمكن دفعها، بل هي أقل من الحد الأدنى، منوها إلى أن الوزارة اجتمعت أكثر من مرة مع الهيئة الفلسطينية للمطاعم والفنادق التي وافقت على ضرورة ترخيص المنشآت السياحية وأثنت على تسوية أوضاعهم القانونية".
وبين أن المطاعم والمنشآت الكبيرة ستدفع 1000 دولار سنوياً رسوماً للترخيص، بينما المنشآت الأصغر فتتراوح رسومها ما بين 400-700 دولار سنوياً، وقال: "المبلغ ليس كبيرًا ويمكن للمطاعم توفيره لأنها تشهد حركة اقتصادية داخلية تدر أرباحًا ليست بسيطة".
أعباء جديدة
من جهته؛ رأى رئيس الهيئة الفلسطينية للمطاعم والفنادق صلاح أبو حصيرة، أن فرض هذه الرسوم، يشكل عبئًا جديدًا على المطاعم والفنادق يضاف إلى الأعباء المحملة على القطاع السياحي خلال العام 2015.
وأكد أبو حصيرة في تصريح خاص بـ"الاقتصادية"، على قانونية هذه الرسوم المالية، وقال: "لا يجوز أن يعمل صاحب أي منشأة سياحية، دون الحصول على رخصة للعمل، ونحن في الهيئة لا ننكر عملية الترخيص وتسوية الأوضاع القانونية، ولا نهرب منها، لكننا نطالب بتأجيل عملية تحصيل هذه الرسوم لفترة إضافية".
وطالب وزارة السياحة بإعفاء المنشآت السياحية من دفع هذه الرسوم لمدة عام أو عامين، على أكبر تقدير، تماشيًا مع الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها هذه المطاعم والفنادق، خاصة وأن قيمة الخسائر في قطاعي الفنادق والمطاعم خلال العام الجاري، بلغت 6 مليون دولار، في ظل التراجع الكبير في قطاع السياحة.
وشدد أبو حصيرة على ضرورة إجراء وزارة السياحة تصنيف للمنشآت السياحية العاملة في قطاع غزة، وبناء عليه أن يتم مطالبة المنشآت بدفع رسوم مالية، كل حسب تصنيفه.
وأكد أن أصحاب المنشآت السياحية يحاولون الهرب من التكاليف والرسوم المالية التي تلاحقهم دائمًا من خلال فاتورة المصاريف التشغيلية المرتفعة، التي يضاف إليها الضرائب والتراخيص، ورسوم البلديات والدفاع المدني، وايجارات الأراضي أو الأماكن التي تقام عليها المنشأة.
تضرر المواطن
ونوه أبو حصيرة إلى أن أي مبالغ اضافية سيُطالبُ بها صاحب المنشأة، سيضطر إلى تحميلها للمستهلك، في حين أن الأخير غير قادر على تحمل أي أعباء مالية جديدة.
ويعمل في قطاع غزة، 110 منشآت سياحية مسجل لدى الهيئة الفلسطينية للمطاعم والفنادق، بمسميات مختلفة، ما بين فندق ومطعم ومنتجع سياحي وكوفي شوب ومدينة ملاهي وحدائق حيوان، بينها 18 فندقًا، تشغل نحو 6 آلاف عامل، وفق أبو حصيرة.
وأكد رئيس هيئة المطاعم والفنادق أن هذه القرارات سيترتب عليها تأثيرات سلبية للغاية، على المنشآت القائمة حاليًا، وارتفاع اسعار الخدمات المقدمة للمواطنين، متوقعًا تراجع أعداد المشاريع النوعية التي سيتم افتتاحها في قطاع غزة، في حال بقي الوضع على ما هو عليه.
وقال: "إن تم افتتاح مشاريع لا يمكن وصفها بـ"مشاريع نوعية"، فبالإمكان افتتاح مطاعم أو منشآت صغيرة قد تعمل لفترة زمنية قصيرة، ومن ثم اغلاقها، ولكن لا يمكننا الحديث عن استثمارات نوعية في المجال السياحي".
وأشار إلى وجود تواصل دائم مع وكيل وزارة السياحة في قطاع غزة، محمد خلة، مبينًا أن الهيئة طالبته في جلسة مطولة عقدت مؤخرًا، بالتخفيف من إجراءات الحصول على الرخصة.
ووصف الاجراءات المطلوبة للحصول على الرخصة بـ"الصعبة والمعقدة للغاية"، منوها إلى أن الهيئة طالبت الوزارة كذلك بإعفاء المطاعم والفنادق من رسوم التراخيص لمدة عام او عامين على أقل تقدير، والتعاطي مع الحالة الاقتصادية المتردية في قطاع غزة.
من ناحيته؛ قال الباحث في الشؤون الاقتصادية، عبد الرحمن الفار: "إن هذا القرار قد يكون المسمار الأخير في نعش بعض الفنادق والمطاعم التي تصارع على البقاء في قطاع غزة، في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة".
وأكد الفار في تصريح لـ"الاقتصادية"، أن القرار الجديد لن يتضرر من المطاعم والفنادق ذات الصيت الذائع في غزة، لأنها ستحمل هذه المبالغ المالية على كاهل المواطن، مشدداً على ضرورة ترخيص المنشآت وتسوية أوضاعها القانونية، لكن مع مراعاة الظروف القائمة.
وأوضح أن الجهات الحكومية في قطاع غزة، تحاول زيادة الايرادات في الوقت الحالي، عبر خطة ممنهجة، مشيرًا إلى إصدار وزارات عدة قرارات مماثلة حول فرض رسوم مالية، خلال الفترة الماضية، مثل: العدل والمالية والاقتصاد، وليس أخيرا السياحة.
وأضاف: "لم يعد هناك مشاريع وخطط حكومية لدعم الاقتصاد ومؤسساته في قطاع غزة، بل العكس، فقد أصبح مطلوب من مؤسسات مهترئة (في إشارة إلى الأوضاع المالية الصعبة التي تمر بها هذه المؤسسات) أن تدعم الحكومة ومؤسساتها".
يذكر بأن قطاع غزة تعرض لأربع أحداث جسيمة خلال الفترة (2007-2015) وهي الانقسام في 14 يونيو/ حزيران 2007، وما تبعه من حصار اقتصادي شامل, وثلاث حروب إسرائيلية، في أعوام (2008-2012-2014)، أدت إلى إلحاق خسائر اقتصادية فادحة في كافة القطاعات.