مثل نوبات الحمى، التي تظهر وتختفي، يطرح على الساحة الفلسطينية موضوع ما، وبعد تداوله لأيام واحيانا اقل، ينسى.
وفي هذه الايام، طرح موضوع اختيار نائب للرئيس، والطلب من السيد سليم الزعنون ، ايجاد التكييف القانوني لهذه المسألة، ونظرا للفراغ الهائل المتحكم بالحالة الفلسطينية، فان صدى الصوت يكون غالبا اقوى من الصوت نفسه، فمنذ تناولت اجهزة الاعلام هذا الامر، انتشرت موجة من القيل والقال... لماذا نائب الرئيس الان؟ ومن هو يا ترى؟ فاذا كان من فتح فكيف يتم التوافق عليه؟ واذا كان من خارج فتح فما هو موقف قبائل فتح الكبيرة والكثيرة منه؟ واذا تمت المصالحة حسب الاخبار السعيدة التي تتواتر من غزة، فهل سيكون النائب من حماس؟ ام ان الامر ساعتئذ سيحتاج الى نائبين او اكثر كي لا يغضب احد، خصوصا اذا ما تم الاتحاد الكونفدرالي بين حماس في غزة وفتح في الضفة؟
مع هذه التساؤلات، هنالك ايضا تساؤلات تفصيلية، تتوالد بصورة بكتيرية ، وفي ساحتنا دون غيرها من ساحات خلق الله، هنالك سؤال واحد واكثر من جواب، لأن الذين يطرحون مواضيع النقاش يكتفون بصدر البيت تاركين للمواطن المتلقي اكمال العَجُز، فتصبح عندنا قصيدة غريبة عجيبة عنوانها "سؤال واحد والف جواب".
تم الحديث في اليوم التالي عن اسباب الاضطرار لاختيار نائب للرئيس ، وهي كثيرة وقديمة .. منها مثلا.. ان هنالك خوفا من غياب مفاجئ للرئيس عباس، وصف في احد التقارير بامكانية حدوث مكروه له، وهذا التفسير لم يقنعني واخاله لم يقنع كثيرين غيري، فلو كان الامر كذلك فلم لم يتم انتخاب نائب للرئيس في وقت مبكر، ام ان المكروه الذي يخاف منه اصحاب الفكرة يستحيل في وقت ما، ويصبح قريبا جدا في وقت آخر؟.
اذا لنترك حكاية "المكروه" الذي لا يعلمه الا الله، لنقرأ التفسير الثاني، الذي هو الطف واخف الا انه اقل منطقية واقناعا .. هذا التفسير يقول ... نظرا لانهماكات الرئيس في مواضيع عدة وهامة فلابد من ايجاد من يحمل العبء الثقيل معه.
لماذا اقول ان هذا التفسير غير منطقي؟ الجواب لأن رئيس الفلسطينيين لا يعمل بصورة موسمية ، ففي هذا الشهر اعمال كثيرة وفي الشهر التالي اعمال اقل، ولا اخال الرئيس الذي يُقترح له نائب الان، كان مستريحا على مدى سنوات طويلة، وفجأة تكاثر العمل وصارت تسمية نائب له ضرورة قصوى وملحة.
ان رئيس الفلسطينيين دائما وفي كل الاحوال لديه اعمال كثيرة او هكذا يفترض ، وبدل ان يستولي علينا هاجس الفرد حتى في نيابة الرئيس ، فلم لا تدفعنا الاعباء الثقيلة الى القاء حمولتها على مؤسسة وليس على فرد، سواء تعلق الامر بالرئيس ذاته او بمن يليه.
لا انكر .. ولا اظن عاقلا ينكر ضرورة ان يكون في نظامنا السياسي نائبا للرئيس، على الاقل كي يلتقي بنظيره الامريكي! وكي يضفي زخما اضافيا على مؤسسة الرئاسة، وكي يصبح رئيسا انتقاليا حين يصاب الرئيس المنتخب بمكروه .. فنحفظ شرعية نظامنا ونذهب بسلاسة الى انتخابات رئاسية جديدة.
وهذه المرة لم لا ننتخب الرئيس ونائبه من ذات الصندوق، فتستقر مؤسسة الرئاسة دون خوف من تكاثر الاعباء، ولا من مكروه حذر منه من قال ... ان لديه ما يثبت ان الرئيس محمود عباس سيلقى نفس مصير سلفه الراحل ياسر عرفات اذا لم يستجب للضغوط الامريكية والاسرائيلية الهاجمة عليه.
اننا فعلا بحاجة الى نائب للرئيس ، ولكنا قبل ذلك بحاجة الى اشياء كثيرة، مثلا، نحن بحاجة الى مؤسسة تشريعية واستشارية تعمل بانتظام، وتسن القوانين، وتراقب الاداء، وتسهر على جودة النظام، وهذا امر بيدنا، واذا ما تذرع احد باسرائيل التي اعتقلت النواب المنتخبين وهمشت المجلس التشريعي، فكان علينا ان نجد البديل الذي يحرم اسرائيل من التحكم بمؤسساتنا الى حد الالغاء، واعتقد ان كثيرين اقترحوا اسناد مهام المجلس التشريعي للمجلس المركزي ، وحين تتدخل اسرائيل بهذه الصورة فان مسألة التدقيق في قانونية أي تصرف يجب ان لا تتصل بالنصوص وانما بالحاجات.
كان يمكن افراز مؤسسة مؤقتة بديلة تتولى مهام المؤسسة المعطلة، دون اغفال ان يكون المنتخبون الطلقاء هم الجسم الاساسي في المؤسسة البديلة، نحن لم نفعل هذا .. بل سلمنا بالغاء دور التشريعي والحقناه طوعا بالغاء عمل المجلس المركزي.
نعم نحن بحاجة الى نائب للرئيس ولكن ليس على الطريقة التي يجري تداولها الان، اذ من المفترض ان نذهب الى انتخابات رئاسية وتشريعية خلال اشهر، وبالامكان ان يصدر الرئيس مرسوما يجيز انتخاب نائب للرئيس مع الرئيس، وهذا يمنح شرعية قوية للاثنين ، اما حكاية التكييف والتطويع، فمشكلتنا معها ليس انها ممكنة او غير ممكنة، قانونية ام غير قانونية، مشكلتنا انها ستثير من الجدل والمعارضة والاضطراب اكثر بكثير مما توفر من المزايا، وهذا يعني حل مشكلة بخلق عدة مشاكل.
ان الطريق الاسلم والاقرب لمعالجة وضع المؤسسة القيادية عندنا ليس بالتكييف والتطويع، وانما بالذهاب سريعا الى صناديق الاقتراع، فهي من يجدد الحياة القيادية ويفرز وجوها جديدة، والعيب كل العيب ان يحكم شعب فيه سلطة بمراسيم فقط.