باحث اقتصادي:انخفاض أسعار المحروقات لا يسير بالتوازي مع الخارج
أثارت قضية انخفاض أسعار المحروقات في الأراضي الفلسطينية، تساؤلات مواطني قطاع غزة وخاصة الموظفين والطلاب، حول مدى إمكانية خفض تسعيرة النقل والمواصلات.
وطالب مواطنون استطلعت "الاقتصادية" آراءهم، وزارة النقل والمواصلات والجهات المسؤولة، بدراسة مدى إمكانية تخفيض أجرة النقل والمواصلات داخل المدن وبين المحافظات المختلفة في قطاع غزة، بما يحقق عدالة للسائقين والمواطنين، في وقت رفض السائقون فيه اجراء أي تخفيض على الأجرة.
وتشهد أسعار بيع برميل النفط عالميًا، في الآونة الأخيرة، انخفاضًا ملموسًا، حيث وصل سعر البرميل إلى 28 دولارًا أمريكيًا، ما انعكس بدوره على أسعار الوقود في الأراضي الفلسطينية، إذ انخفضت تدريجيًا وبلغ سعر لتر البنزين 5.6 شيكل، والسولار 4.8 شيكل.
وكانت وزارة النقل والمواصلات قد أعلنت مطلع فبراير/ شباط عام 2014، عن إقرار تسعيرًة جديدة للمواصلات، أعدتها لجان مختصة من الوزارة وشرطة المرور،بعد استشارة بعض المواطنين وطلاب الجامعات في قطاع غزة، وبعد دراسة أسعار الوقود والمصاريف التشغيلية ومستلزمات السائقين، واعتبرتها الوزارة في حينه "متوازنة للجميع".
مراجعة الأسعار
وقال الموظف أحمد رضوان، لمراسل الاقتصادية: "إن أسعار المواصلات تحتاج إلى ضبط وإعادة دراسة خاصة وأن بعض السائقين لا يلتزمون بالتسعيرة القديمة التي احتوت على أنصاف الشواكل وهي العملة الغير متداولة حاليًا، ويستعيضون عنها بأخذ زيادة في القيمة".
وطالب رضوان الذي يقطن المحافظة الوسطى، وزارة النقل والمواصلات بتشكيل لجان مشتركة مع السائقين وشرطة المرور، لدراسة مدى امكانية تخفيض أسعار النقل والمواصلات وخاصة بين المحافظات المختلفة، مع ضرورة مراعاة أوضاع السائقين واحتياجاتهم وظروفهم.
أما الطالبة في جامعة فلسطين ريما عبد الكريم، فقالت لـ"الاقتصادية": إنّ السائقين لا يلتزمون بتسعيرة النقل والمواصلات المعتمدة، وخاصة السائقون الذين يعملون من غزة إلى مدينة الزهراء وبالعكس، حيث أن التسعيرة المقرة هي 2.5 شيكل، لكن السائقين يأخذون 3 شواكل".
ودعت الطالبة عبد الكريم التي تقطن شارع النصر في مدينة غزة، وزارة النقل والمواصلات بضرورة مراعاة أوضاع المواطنين والعمل على وضع تسعيرة مناسبة للجميع، وخاصة فئة الطلاب الذين يحتاجون إلى مبلغ شهري "كبير" فقط لأجرة النقل.
وأضافت: "يوميًا أحتاج إلى 10 شواكل للذهاب إلى الجامعة، وهذا المبلغ ليس بسيطًا، واعتقد أن على الحكومة ووزارة النقل والمواصلات إجراء دراسة وإعادة تقييم لتسعيرة المواصلات والعمل على تقليلها بما يتناسب مع المواطنين".
أما رئيس تحرير صحيفة الاقتصادية، محمد أبو جياب، فقد تساءل عن سبب في عدم الاعلان خفض أجرة النقل والمواصلات بما يتناسب مع دخل المواطن "المعدوم".
ووجهه أبو جياب في تغريدة نشرها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، رسالة إلى وزارة النقل والمواصلات قال فيها: "طلع السولار والبنزين شيكل قبل كام سنة هلكتونا،ورفعتوا الأجرة بالسيارات التكسي مراعاة للسائق، طيب السولار والبنزين كل شهر بينخفض وتجاوز الانخفاض الحد السابق قبل الارتفاع الذي تبعه تعلية أجرة التكسي،ليش ما خفضتوا الأجرة بما يتناسب ومدخولات المواطن شبه المعدومة، والتي يجب أن تستفيد من الانخفاض في أسعار السلع وعلى رأسها الوقود!".
ودعا أبو جياب الوزارة إلى ضرورة اجراء دراسة سريعة وعاجلة لأجرة النقل والمواصلات بما يتناسب مع أوضاع المواطنين في قطاع غزة، المحاصر إسرائيليًا منذ سنوات طويلة، ويعاني من أوضاع اقتصادية صعبة.
وأكد الناطق باسم هيئة الحراك الوطني لكسر الحصار واعادة الاعمار أدهم أبو سلمية، أن مستوى الفقر والبطالة بعد عشر أعوام من حصار غزة، قفز بشكل مُرعب، حيث تجاز حاجز 40% فقر مدقع، إضافة لارتفاع نسبة البطالة لأكثر من 45% جلها من أوساط الشباب.
وأوضح أبو سلمية في مؤتمر صحفي عُقد ببيت الصحافة في غزة، الأحد الماضي، أن أكثر من 272 ألف مواطن باتوا عاطلين عن العمل بفعل الحصار، إلى جانب أكثر من 150 ألف عامل و100 ألف خريج جامعي بلا عمل.
إضرار بالسائقين
في المقابل؛ أكد السائق رائد العشي، الذي يعمل على شارع صلاح الدين الواصل بين محافظات قطاع غزة،أنّ هذه التسعيرة لا تحتاج إلى أي دراسة، وقال: "أي تخفيض في الأجرة سيضر بالسائقين الذين ما عادت مهنتهم تسمن أو تغني من جوع".
وأوضح العشي في تصريح لمراسل "الاقتصادية"، بعد أن عقد حاجبيه واحمر وجهه غضبًا، أن السائقين لديهم الكثير من الالتزامات المالية، كالترخيص المرتفعة أسعاره، والتأمين، وإصلاح أعطاب السيارات، وإجراء الفحوصات الروتينية، ناهيك عن المخالفات المرورية.
وأضاف: "صرنا نشتغل طول النهار وآخر النهار الواحد ما بيحصل أي شي، الطايح رايح، وزي ما قالوا مال الحديد للحديد"، في إشارة إلى عدم الجدوى من العمل كسائق أجرة، نظرًا لكثرة المصاريف التشغيلية للسيارة، وفق قوله.
وأبدى زميله السائق،أدهم السوافيري، رفضه لهذه المطالب جملة وتفصيلاً، وأكدعلى صعوبة تخفيض أجرة النقل والمواصلات لاعتبار أسعار الوقود مرتفعة مقارنة بمتطلبات الترخيص والتأمين والضريبة المفروضة على السائقين.
وقال السوافيري، لمراسل "الاقتصادية": "ألا يكفي مزاحمة السيارات الملكي لسيارات الأجرة في عملها، وملاحقة شرطة المرور للسائقين على الدوام، عبر حملات مرورية اما لدفع رسوم الترخيص أو لمنع تشغيل السيارات بغاز الطهي".
ودعا وزارة النقل والمواصلات إلى عدم الأخذ بهذه المطالب، ودراسة واقع السائقين الصعب والعمل على دعمهم ورفع التسعيرة لتتناسب مع أسعار الوقود ومتطلبات السائقين من ترخيص وتأمين وغيرها من المبالغ المالية المفروضة عليهم.
قيود
الباحث في الشؤون الاقتصادية، عبد الرحمن الفار، قال: "وفقاً لبيانات جهاز الاحصاء المركزي الفلسطيني فإن متوسط انفاق الفرد على المواصلات شهرياً يقارب 17.6 دينار أردني، وتعد هذه النسبة مرتفعة بالمقارنة مع متوسط دخل الفرد في قطاع غزة".
وأضاف الفار، في تصريح لصحيفة "الاقتصادية": "هذا المبلغ يشكل أكثر من 20% من دخل الفرد"، مشيرًا إلى أن انخفاضًاطرأ خلال الأشهر القليلة الأخيرة،على أسعار المحروقات في فلسطين بقرابة 10%، لكن هذا الانخفاض "لم ينعكس على تسعيرة المواصلات".
وأكد أن أي انخفاض قد يطرأ على أسعار المحروقات بشكلٍ عام يمكن أن يؤدي إلى زيادة في الدخل المتاح للإنفاق أو الادخار، منوها إلى أن الانخفاض في أسعار المحروقات في فلسطين لا يسير بالتوازي مع انخفاض أسعار المحروقات عالمياً.
وعزا الفار ذلك إلى الضرائب التي تفرضها السلطة على المحروقات وتبعية مشتريات السلطة من المحروقات لاتفاقية باريس الاقتصادية، إذ أن هناك قيوداً مفروضة على جودة ومواصفات المحروقات التي يمكن للسلطة أن تستوردها، علاوةً على أن البنى التحتية لنقل المحروقات إلى فلسطين غير متوفرة، ما قد يجعل تكلفة نقلها من الأردن أو مصر "إن تطابقت مع المواصفات المنصوص عليها" مكلفة جداً.