الاقتصادية _ فلسطين
بقلم الباحث الاقتصادي محمد نصار
مع استمرار العمليات الروسية في الأراضي الأوكرانية، وتوقف عمليات الشحن البحري من أوكرانيا من جهة ودخول العقوبات الاقتصادية الأوروبية والأمريكية على الاقتصاد الروسي من جهة الأخرى تعيش منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خوفاً متزايداً من نقص إمدادات القمح وزيت عباد الشمس واللذان تعتبر أوكرانيا مصدراً رئيساً لهما إلى المنطقة، حيث تستأثر روسيا وأوكرانيا بنحو 29 بالمئة من إجمالي صادرات القمح العالمية، فيما تعتبر أوكرانيا أكبر مصدر للذرة وفول الصويا.
وقد ظهرت مخاوف غلاء الأسعار وتعطل سلاسل الامداد جلية في الأراضي الفلسطينية مع توارد الأنباء المتعلقة بوقف جمهورية مصر العربية تصدير سلع الفول الحب والمجروش، والعدس، والقمح، والدقيق بجميع أنواعه، والمكرونة لمدة ثلاث، ووقف الجمهورية التركية تصدير الزيوت النباتية وفق ما سمعنا من بعض التجار، وكذلك صدور قرارات تتعلق بوقف تصدير بعض السلع من المملكة الأردنية الهاشمية.
ووفق بيانات نشرتها وزارة الاقتصاد في رام الله وفي قطاع غزة أكدت فيها توفر القمح والدقيق بكميات كافية في السوق المحلية، وأكدت أنها لن تسمح بتلاعب التجار في كمية الدقيق المتوفرة أو سعر رغيف الخبز، وأن عملية التوريد مستمرة ولم تتأثر بالأزمة في شرق أوروبا، حيث تستهلك الأراضي الفلسطينية نحو 400 ألف طن من القمح سنويا (بمعدل شهري 33,3 ألف طن من القمح)، منها 30 ألف طن فقط انتاج محلي، والباقي يستورد من دول أخرى أبرزها رومانيا والولايات المتحدة (عبر إسرائيل)، ويأتي جزء منها من روسيا.
يعتمد قطاع غزة على حوالي 30 ألف طن طحين يتم توزيعها من خلال وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الأونروا كل ثلاث شهور على أكثر من مليون لاجئ يعيشون في قطاع غزة، ولكن لو حدث هناك نقص في الإمداد لهذا البرنامج فإن ذلك يعني أن رغيف الخبر في القطاع سيصبح مهددا بشكل كبير.
ما زالت الحكومة سواء في الضفة الغربية وقطاع غزة تتعامل مع أزمة السلع الأساسية بطريقة تشبه المعالجة الأمنية وتستخدم التحذير والوعيد لجشع التجار مع أن الأزمة تتعدى الجشع والاحتكار وهي أزمة اقتصادية عالمية نتيجة نقص إمدادات الكثير من السلع التي تنتجها روسيا وأوكرانيا.
تغفل الحكومة البعد الإعلامي المتعلق بتوعية المواطنين وحثهم على ترشيد الاستهلاك وعدم الهلع وتخزين المواد الغذائية الأساسية حتى لا يستنزف المخزن السلعي المحدود.
وأعتقد أن معالجة الأزمة يجب أن تتم بطريقة جماعية يتشارك فيها المواطن والحكومة والقطاع الخاص والجمعيات المحلية والدولية، حيث تقوم الحكومة بالقيام بواجبها من خلال خلية الأزمة في مراقبة الأسواق وضبط الأسعار، وقبل ذلك وضع السياسات واتخاذ القرارات الهادفة لضمان الإمدادات السلعية وتوفيرها للمواطن، وتقوم بتوفير شبكة أمان للأسر الفقيرة، كما تعمل الجمعيات المحلية والدولية على المساهمة في توفير السلع الرئيسية للأسر الفقيرة دون استنزاف المخزون السلعي، والعمل على توفير مساعدات غذائية من الخارج، خصوصاً ونحن مقبلون على شهر رمضان المبارك.
أما القطاع الخاص فعليه التقيد والالتزام بالمبادئ الأخلاقية والقانونية في التعامل مع هذه الازمة، والإعلان بشكل صريح وواقعي عن الحقائق المتعلقة بوفرة السلع في غزة، والعمل على توريد استمرار توريد السلع من السوق العالمي.
وفي أخيراً يجب أن يبدأ المواطن بترشيد الاستهلاك، وأن يبتعد عن التخزين للسلع الأساسية لأن ذلك سيعمق الأزمة، والتعامل مع هذه الأزمة بوصفها جزء من حياتنا لابد من التأقلم معها لفترة من الزمن.