اليوم الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤م

روسيا وأوكرانيا والمعادن!!!

٢١‏/٠٣‏/٢٠٢٢, ٨:٢٣:٠٠ ص
الاقتصادية

الاقتصادية _ وكالات 

بقلم الباحث الاقتصادي: محمد نصار

21-03-2022

لم يكن يعلم ديفيد ريكاردو عندما وضع أسس نظرية الميزة النسبية في التجارة الدولية قبل أكثر من مئتي عام، أن أزمة لم ترتقِ لحرب عالمية ربما تتسبب في شلل العالم على المدى المتوسط والبعيد، وتقوم نظريته على أن من مصلحة كل بلد أن يتخصص في إنتاج السلع التي لا تكلفه كثيراً "ميزة نسبية" مقارنة بباقي السلع التي ينتجها، حتى وإن كانت بلدان أخرى في العالم تستطيع إنتاج هذه السلع بتكلفة أقل منه، وقد كانت هذه النظرية هي المدخل للعولمة الاقتصادية، فطائرة الF35 الأمريكية تشارك في صناعة مكوناتها حوالي 46 دولة في العالم، وبالتالي فإن حصول مشكلة مع أي من هذه الدول لأي سبب ربما يتسبب في تعطل انتاج هذه الطائرة، والكثير من الصناعات حول العالم تتم بمشاركة العديد من الدول.

 

تعتبر روسيا وأكرانيا مصدراً للعديد من المعادن مثل النفط، الفحم، الحديد والصلب، الألومنيوم، النيكل، النيون، وغيرها ....، وسنقوم في هذا المقال بالحديث عن بعض هذه المعادن والمشكلات التي ستسببها للعالم في حال توقف تصديرها.

 

روسيا ثاني أكبر مصدر للنفط في العالم بطاقة انتاجية تصل إلى 11 مليون برميل من النفط ومشتقاته، يصدر منها حوالي سبعة ملايين برميل باتت مهددة بعد العقوبات الأخيرة التي تم تطبيقها من قبل أمريكا وأوروبا، ولكن من الصعب التخلي عن النفط الروسي لأن الأسواق العالمية غير مستعدة بفقدان أكثر من 11% من المعروض، وبذلك فإن أسواق النقط مرتبكة وتتأثر بالتصريحات الصادرة عن الدول العظمى، ففي نهاية العام الماضي كان سعر برميل النفط حوالي 77 دولار، ومع دخول الأزمة الروسية الأوكرانية أسبوعها الثاني قفزت أسعار النفط العالمية لأعلى مستوى لها خلال 14 عام، وقد بلغت الزيادة في الأسعار خلال العام الجاري 60%، ثم عادت الأسعار حالياً إلى حدود 110 دولار، ويرى المحللون في بنك أوف أميركا بأنه اذا قطعت معظم صادرات النفط ومشتقاته من ورسيا فإن ذلك سيكون بمثابة صدمة كبيرة لأسواق النفط على نحو قد يقفز بالأسعار إلى أكثر من مئتي دولار للبرميل الواحد، كما توقع وزير النفط الروسي بأن تصل أسعار الخام الأسود إلى 300 دولار للبرميل، ولعل ارتفاع أسعار النفط مع الوقت سيصاحبه موجة تضخم وارتفاع في الأسعار ربما تعتبر الأضخم والأعنف في القرن الواحد والعشرين.

 

تعتبر روسيا ثالث أكبر مصدر للفحم العالمي، حيث يشكل 14% من صادرات الفحم العالمية، وسيكون لوقف تصدير الفحم من روسيا آثاراً سلبية على توليد الكهرباء في العالم، حيث تعمل 27% من محطات الطاقة الكهربائية في العالم على الفحم، وكذلك سيكون له تأثيراً سلبياً على الصناعات كثيفة الطاقة كالألومنيوم والحديد والصلب، وقد قفزت أسعار طن الفحم من 150 دولار نهاية العام الماضي إلى 368 دولار في مارس لهذا العام أي بنسبة زيادة بلغت 145%.

 

كما تشكل روسيا وأوكرانيا معاً حوالي 7.5% من صادرات العالم من الحديد والصلب، واستمرار الأزمة يعني توقف هذه الصناعة في أوكرانيا، وعدم قدرة روسيا على تصدير منتجاتها من الحديد والصلب بسبب العقوبات الأوروبية والأمريكية، وإخراج روسيا من نظام SWIFT المالي، وهذا ما يفسر ارتفاع أسعار الحديد في العالم بنسبة تصل إلى 50%، مما قد يسبب شللاً في قطاع الإنشاءات وصناعة الآلات وصناعة السيارات والأجهزة الكهربائية وغيرها من الصناعات المعتمدة على الحديد والصلب، وقد يستمر هذا الارتفاع في الأجل القصير قبل أن تستطيع الدول المنتجة للحديد والصلب الأخرى مثل الصين وأمريكا وألمانيا تعويض النقص في السوق.

 

ولعل أهم المعادن التي تصدرها روسيا هو النيكل، فهي أكبر مصدري هذا المعدن، وتستحوذ على 28% من الصادرات العالمية من هذا المعدن الذي يدخل في صناعة البطاريات، وهذا ما يفسر تضاعف سعر الطن متري ليصل إلى 100 ألف دولار.

 

كما تعتبر روسيا واحدة من الدول المصدرة لمعدن الألومنيوم حيث تشكل 10% من صادرات الألومنيوم، حيث يدخل هذا المعدن في صناعات كثيرة أهمها صناعة الطائرات، وقد ارتفع سعر طن الألومنيوم من 2806 دولار نهاية العام الماضي إلى 3472 دولار في مارس 2022

.

وأخيراً تعتبر أوكرانيا هي المصدر الرئيسي لغاز النيون حيث تسيطر على 70% من سوق هذا الغاز في العالم، وهو غاز مهم جداً في صناعة الليزر، والذي يستخدم في صناعة أشباه الموصلات (الرقائق الإلكترونية)، والتي تعتبر العنصر الأساسي في الصناعات التكنولوجية، حيث تستورد أمريكا 90% من هذا الغاز من أوكرانيا.

 

وفي النهاية نجد أنفسنا أمام أزمة عالمية من نوع آخر تختلط فيها عوامل مختلقة تهدد التقدم في العالم، وربما يكون لها آثاراً سلبية على المدى المتوسط والبعيد.