الاقتصادية _ فلسطين
بقلم الباحث الاقتصادي: محمد نصار
22-03-2022
يبدو أن السلطة الفلسطينية بدأت تبحث عن مصادر جديدة لتعزيز إيرادات خزينتها في ظل وجود عجز مزمن في موازنات السلطة الفلسطينية السنوية يصعب تعويضه من خلال المنح والمساعدات، والتي خلت منها خزينة السلطة الفلسطينية خلال العام 2021 حيث لم تفِ غالبية الدول المانحة العربية، وكذلك الاتحاد الأوروبي بالتزاماتهم المالية تجاه السلطة الفلسطينية، وفي هذا الإطار فقد أعلن محافظ سلطة النقد فراس ملحم، إنه من المرجح تحويل رواتب العمال الفلسطينيين في أراضي العام 1948 عبر البنوك المحلية قبل نهاية العام الجاري دون ضرائب إضافية، وأوضح محافظ سلطة النقد أن الخطوة "هي في صالح العمال ولفائدتهم، حيث تضمن عدم تلاعب أرباب العمل الإسرائيليين بمستحقاتهم، إضافة إلى إتاحة الفرصة لهؤلاء العمال للاستفادة من الخدمات المصرفية"، لذا سنتحدث خلال هذا المقال عن العمال الفلسطينيين في أراضي العام 1948م، والعوائد الإيجابية المترتبة على إيرادات السلطة الفلسطينية في حال تم تحويل رواتب العمال عبر البنوك المحلية.
وفق بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فقد بلغ عدد العاملين في أراضي العام 1948 ومستعمرات دولة الاحتلال في العام 2021 حوالي 145 ألف عامل منهم 21 ألف يعملون في المستعمرات، حيث بلغت نسبة العاملين الحاصلين على تصاريح عمل حوالي 61% أي حوالي 88,450 عامل، في حين بلغت نسبة العاملين بدون تصاريح عمل نحو 25% أي حوالي 36,250 عامل، أما حملة الهوية "الإسرائيلية" أو جواز سفر أجنبي فقد بلغت نسبتهم 14% أي حوالي 20,300 عامل، ومن الجدير ذكره أن حوالي 94% من هؤلاء العمال هم من سكان الضفة الغربية، و6% منهم من سكان قطاع غزة أي حوالي 10 آلاف عامل.
ونرى أن هذا الإجراء في حال تطبيقه سيساهم في تعزيز إيرادات خزينة السلطة الفلسطينية، ووفق تقرير أصدره الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة في العام 2020 حول "التسرب المالي التي تتكبده السلطة الفلسطينية ضمن العلاقة الاقتصادية مع دولة الاحتلال"، فإن واحدة من أشكال هذا التسرب هي ضريبة الدخل التي لا تستردها السلطة على العمال الفلسطينيين غير النظاميين في "إسرائيل"، أو الذين يدخلون سوق العمل "الإسرائيلي" دون تصريح، حيث ينص بروتوكول باريس على أن تقوم دولة الاحتلال بتحويل 75% من ضريبة الدخل المستقطعة على رواتب العمال في أراضي العام 1948، و100% على ضريبة الدخل المستقطعة على رواتب العمال في المستعمرات، وذلك وفقاً لقانون ضريبة الدخل في دولة الاحتلال، حيث تقوم دولة الاحتلال بتحويل الضرائب المستقطعة عن العمال الذي يحملون تصاريح إلى خزينة السلطة الفلسطينية، ولكنها لا تقوم بذلك على العمال غير النظاميين الذين لا يحملون تصاريح عمل.
واعتماداً على أن متوسط الأجرة اليومية للعامل في أراضي ال 1948 يبلغ حوالي 266 شيكل، ولو افترضنا أن العامل يعمل 19 يوم في الشهر وفق الأوراق المنشورة من "بنك إسرائيل"، ويقتطع من هؤلاء العمال 10% ضريبة دخل حسب الشريحة الأولى في قانون الدخل "الإسرائيلي"، فإن تحويل رواتب هؤلاء العمال غير النظاميين عبر البنوك المحلية من شأنه أن يضخ حوالي 70 مليون دولار سنوياً لخزينة السلطة الفلسطينية، وهي الضريبة المقتطعة على أجورهم من قبل دولة الاحتلال.
كما أن دولة الاحتلال فرضت على العاملين الفلسطينيين منذ مطلع السبعينات ضريبة تسمى ضريبة المعادلة وهي تهدف إلى المساواة في الاقتطاعات التي تخضع لها رواتب وأجور كل من العمال الفلسطينيين والعمال "الإسرائيليين". حيث يتم اقتطاعها من العامل "الإسرائيلي" نظير خدمات الضمان الاجتماعي التي لا يحصل عليها مثيله الفلسطيني كونه عامل غير مقيم، مثل تعويضات البطالة، ومدفوعات التقاعد الإضافية، وغيرها، والمعلومات حول هذه الضريبة شحيحة في ظل عدم قيام "إسرائيل" تحويلها مسبقاً إلى خزينة السلطة الفلسطينية، بالرغم من أن اتفاقية باريس الاقتصادية تنص على ذلك صراحة، وتبلغ نسبة هذه الضريبة نحو 11% من إجمالي الأجور والرواتب، وتحويل رواتب العمال عبر البنوك الفلسطينية من شأنه أن يتيح للسلطة الفلسطينية المطالبة بهذه الضريبة المقتطعة والتي تقدر بحوالي 300 مليون دولار سنوياً.
إضافة إلى أن تحويل رواتب العمال في الداخل المحتل عبر البنوك المحلية سيتيح للسلطة الفلسطينية اقتطاع فواتير المياه والكهرباء المتراكمة على العمال إن وجدت وغيرها من المطالبات المالية، كما ستساهم هذه المبالغ الكبيرة في انتعاش القطاع المصرفي، وزيادة قدرته على تمويل مشروعات تنموية تساهم في دفع عجلة التنمية في الأراضي الفلسطينية.