اليوم الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤م

تقرير تحذيرات من تآكل الدخل والمدخرات في البلاد الفقيرة

٢٦‏/٠٣‏/٢٠٢٢, ٢:٤٢:٠٠ م
الاقتصادية

الاقتصادية _ وكالات 

حذر تقرير حديث من اتجاه التضخم إلى معدلات مرعبة، وسوف يلحق الضرر بالجميع حول العالم، وأدى تزايد النشاط الاقتصادي، واضطراب سلاسل الإمداد، والارتفاع الحاد في أسعار السلع الأولية معاً في عام 2021 إلى دفع التضخم العالمي إلى أعلى مستوياته منذ عام 2008. وفي اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، بلغ التضخم أعلى معدلاته منذ عام 2011، حيث يتجاوز اليوم المستويات المستهدفة في أكثر من نصف هذه الاقتصادات التي لديها إطار لتحديد أهداف التضخم.

 

وكشف البنك الدولي في تقرير حديث، أنه مع اندلاع الحرب في أوكرانيا، تتجه الأمور بوتيرة متسارعة من سيء إلى أسوأ أو مروع. فقد شهدت أسعار المواد الغذائية والوقود ارتفاعاً حاداً، إذ تُعد روسيا وأوكرانيا مصدّرين رئيسيين للعديد من السلع الأساسية بما في ذلك الغاز والنفط والفحم والأسمدة والقمح والذرة والزيوت النباتية.

 

ويعتمد العديد من الاقتصادات في أوروبا وآسيا الوسطى والشرق الأوسط وأفريقيا اعتماداً شبه كامل على روسيا وأوكرانيا للحصول على وارداتها من القمح. وفي ما يتعلق بالبلدان الأقل دخلاً، قد يؤدي اضطراب الإمدادات، إضافة إلى ارتفاع الأسعار، إلى زيادة التعرض لخطر الجوع وانعدام الأمن الغذائي، وقد يتسبب اضطراب سلاسل الإمداد في تفاقم الضغوط التي تنجم عن التضخم على نطاق واسع.

 

تآكل قيمة الأجور والمدخرات

وفي ما يتعلق بالكثير من الأسر في مختلف أنحاء العالم، فإن ارتفاع معدلات التضخم يشكل تحدياً كبيراً. فالأسعار المرتفعة يمكن أن تؤدي إلى تآكل قيمة الأجور والمدخرات الحقيقية، ما يجعل الأسر أكثر فقراً، إلا أن الشعور بهذه الآثار يتفاوت من فئة إلى أخرى: إذ تكون الأسر منخفضة ومتوسطة الدخل أكثر عرضة لمخاطر ارتفاع معدلات التضخم من الأسر الأكثر ثراء.

 

ويعكس هذا الأمر تركيبة دخلهم، وما لديهم من ممتلكات، وأنواع سلة سلعهم الاستهلاكية، وعلى الرغم من ذلك، قد يكون تأثير التضخم على الأسر الأشد فقراً التي تعيش تحت خط الفقر العالمي غير مباشر على نحو أقل، ويُعزى ذلك الأمر إلى أن الأسر الأشد فقراً لديها حد أدنى من الدخل من الأجور، أو الممتلكات. وهي تعتمد في العادة على الدخل غير النقدي، مثل الزراعة التي تحقق حد الكفاف، أو المقايضة، التي قد تكون أقل عرضة لمخاطر التضخم.

 

ففي الاقتصادات المتقدمة، تعتمد الأسر منخفضة ومتوسطة الدخل في العادة على الدخل من الأجور ومدفوعات التحويلات على نحو أكبر من اعتماد الأسر الأكثر ثراء عليها، وغالباً ما يتجاوز تضخم الأسعار النمو في الأجور والتحويلات، في حين قد يكون من الأرجح أن يواكب الدخل من العمل الحر والدخل من الاستثمار معدلات التضخم. وعلى هذا النحو، يمكن للتضخم أن يقلل من دخل الأسر الأفقر مقارنة بدخل الأسر الأكثر ثراء، ويتشابه هذا الوضع بين اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية. ففي البرازيل، على سبيل المثال، يمثل الدخل من العمل الحر ومن الاستثمار نسبة أكبر من دخل الأسر مرتفعة الدخل مقارنة بنسبته في دخل الأسر منخفضة ومتوسطة الدخل، على الرغم من ذلك، تعتمد الأسر الأشد فقراً أيضاً على الدخل غير النقدي.

 

وغالباً لا تتمكن الأسر الأفقر من الحصول على الأدوات المالية التي يمكن أن توفر لها الحماية من تداعيات التضخم، لأن هذه الأدوات قد تكون لها تكاليف أولية أو تكاليف مستمرة، ومن ثم لا يمكن تحملها. على سبيل المثال، لدى جميع الأسر تقريباً في الولايات المتحدة حسابات معاملات أو حسابات جارية في إحدى المؤسسات المالية. ومع ذلك، يوجد عدد أقل بكثير من الأسر لديه مدخرات أو أدوات استثمارية، إضافة إلى ذلك، فإن التوزيع غير متوازن إلى حد كبير، فاحتمال أن يكون لدى الأشخاص الأكثر ثراء من الأسر الأميركية شهادات إيداع يبلغ خمسة أضعاف الاحتمال بالنسبة للأسر الأشد فقراً، وستة أضعاف احتمال حيازة سندات الادخار، و12 ضعفاً احتمال امتلاك صناديق استثمار.

 

باختصار، يؤدي ارتفاع معدلات التضخم إلى تفاقم عدم المساواة أو الفقر، لأن تأثيره على دخل الأسر الأفقر أو متوسطة الدخل ومدخراتها يكون أشد مقارنة بما يلحق بالأسر الثرية، وربما تجد الأسر التي تمكنت من الإفلات من الفقر في الآونة الأخيرة نفسها تسقط مرة أخرى في براثنه بسبب ارتفاع معدلات التضخم.

 

التحول من سلع أعلى جودة إلى أقل جودة

يرى إندرميت جيل، نائب رئيس مجموعة البنك الدولي لشؤون النمو المنصف والتمويل والمؤسسات، أن الأسر الأفقر قد تعاني من معدلات تضخم أعلى مما تتعرض له الأسر الثرية، ويتم حساب مقاييس تضخم أسعار المستهلك باستخدام سلة السلع التي تمثل استهلاك الشخص العادي، إلا أن التركيبة الفعلية للإنفاق تختلف اختلافاً كبيراً بحسب شرائح الدخل.

 

على سبيل المثال، تنفق الأسر الأقل دخلاً في بلدان الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية نحو 50 في المئة من دخلها للحصول على المواد الغذائية. أما الأسر الأعلى دخلاً، فلا تتجاوز نسبة إنفاقها على المواد الغذائية 20 في المئة من دخلها، ويمكن أن تُحدث الزيادة الأخيرة في أسعار الغذاء والطاقة تأثيراً غير متناسب على الأسر الأشد فقراً، وفي أوقات الأزمات الاقتصادية، يمكن للأسر مرتفعة الدخل التحول بسهولة من سلع أعلى جودة إلى سلع أقل جودة، ويمكنها أيضاً الاستفادة على نحو أكبر من الخصومات على عمليات الشراء والمبيعات بالجملة، وبطبيعة الحال، لا تتاح هذه الخيارات للأسر الفقيرة.

 

وقال جيل، إنه في بعض الاقتصادات الصاعدة والاقتصادات النامية، ينطوي ارتفاع أسعار المواد الغذائية على احتمال تحقيق فائدة لشريحة كبيرة من الفقراء، ففي الاقتصادات النامية المتوسطة، يعمل أكثر من خمس عدد الأسر، التي توجد حول خط الفقر أو تحته، في مجال بيع المواد الغذائية ولا يشترونها. ومن ثم، فإن ارتفاع أسعار المواد الغذائية قد يصب في مصلحتهم. وعلى الرغم من ذلك، لا تزال الغالبية العظمى من الفقراء في الاقتصادات النامية مشترين للمواد الغذائية ولا يبيعونها، لذلك تؤدي الزيادات الحادة في أسعار الغذاء إلى زيادة معدلات الفقر بصفة عامة.

 

ما الذي يجب أن يفعله صناع السياسات؟

وأشار البنك الدولي إلى أن الحكومات دأبت منذ فترة على اللجوء إلى تقديم الدعم للأسر لتخفيف تأثير التضخم عليها. في بعض الحالات، يمكن أن يصبح الدعم أداة انتقالية فعالة للتخفيف من تأثير الصدمات، إلا أن عملية تقديم الدعم تستمر لفترة طويلة للغاية، ما يؤدي دائماً إلى حدوث آثار سلبية. فسرعان ما قد ينتقص الدعم من الإنفاق على البنية التحتية والصحة والتعليم، ويذهب دعم الطاقة غالباً إلى الأسر الأكثر ثراء مقارنة بالأسر الأفقر، ومن ثم، يشجع الاستهلاك الزائد عن الحاجة.

 

ومما يثير القلق أن حكومات عديدة تدرس حالياً اللجوء إلى القيود على التجارة وحظر التصدير لحماية عمليات توريد المواد الغذائية المحلية. ويجب على تلك الحكومات الامتناع عن هذا الأمر، فسياسات من هذا القبيل التي تبدو مناسبة على مستوى بلد ما قد تكون لها عواقب عالمية وخيمة. ففي ظل الارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية في 2010-2011، أدت القيود التجارية إلى تفاقم الزيادة في الأسعار العالمية ودفعت ملايين الأشخاص إلى براثن الفقر، على الرغم من أنها قللت من ارتفاع الأسعار المحلية.

 

ومن ثم، يتعين على واضعي السياسات بدلاً من ذلك الاستعانة بسياسات الرعاية الاجتماعية لحماية الأشخاص الأشد فقراً من ارتفاع الأسعار. ومن الممكن أن تشمل هذه السياسات شبكات أمان موجهة مثل التحويلات النقدية، والمواد الغذائية، والتحويلات العينية، وبرامج التغذية المدرسية، وبرامج الأشغال العامة. ويوفر حساب مؤشرات التضخم لشرائح الدخل المختلفة معلومات أفضل عن التضخم الذي يعاني منه الفقراء بالفعل، ويجب أن يوجه تصميم شبكات الأمان الاجتماعي، وستكون هناك حاجة إلى تعاون وتواصل على الصعيد الدولي لتجنب أي إجراءات انتقامية.

 

إضافة إلى ذلك، فإن البنوك المركزية في الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية تحركت بسرعة لكبح جماح التضخم، وعند اتخاذ أي قرار بشأن ما يجب فعله بعد ذلك، يجب على مسؤولي تلك البنوك أن يضعوا في اعتبارهم الآثار المحتملة على معدلات الفقر وعدم المساواة. ويمكن للحكومات أيضاً تحسين قدرتها على الحصول على الأدوات المالية التي قد تحمي القيمة الحقيقية لممتلكات الأسر الفقيرة من التضخم، وسيساعد تحفيز مزيد من المنافسة في القطاع المالي على تحقيق هذه النتيجة.

 

المصدر: البوصلة