الاقتصادية _ فلسطين
بقلم :عليا أغاجنيان وأَردِن فين
مراهق فلسطيني سيبلغ من العمر 14 عاماً هذه السنة عاش فترة من تاريخ غزة شهدت إزهاق مئات الأرواح وفقدان سبل كسب الرزق، كما شهدت دماراً مادياً للأحياء السكنية والبنية التحتية.
هذا الفتى ذو الأربعة عشر ربيعاً، وقد شهد أربعة حروبٍ كانت آخرها في مايو/أيار 2021، تعرَّض لمستوى مرتفع من العنف من المرجَّح أن يُخلِّف آثاراً مؤذية لنفسيته وستبقى معه وقتاً طويلاً.
إن أعباء تدهور الصحة العقلية كبيرة على مثل هؤلاء السكان المُعرَّضين للصدمات، ناهيك عن الآثار والتداعيات التي تصيب بقية الاقتصاد والمجتمع بالشلل، حيث أن تدهور الصحة العقلية يضر بالإنتاجية ويعوق اتخاذ القرارات ويُوهِن الصلات والعلاقات الاجتماعية.
واستناداً إلى بيانات مأخوذة من مناطق ريفية في كينيا، أُجريت دراسة في الآونة الأخيرة أظهرت أدلةً وشواهد على وجود ما يُسمَّى بشَرَك الفقر النفسي الذي يطول أمده بفعل الإجهاد والإحباط وخيبة الأمل.
بعد الصراع الذي نشب في مايو/أيار 2021، أجرى فريق من البنك الدولي مسحاً استقصائياً على موقع فيسبوك لتقييم الاحتياجات الفورية للفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة. وباستخدام أساليب مبتكرة، استطاع الفريق تقليص مخاطر التحيز، إذ اعتمد على إعلاناتٍ مُوجَّهة وأوزانٍ للعينات لمعايرة البيانات مقابل خصائص سكانية معروفة.
وفي غضون ثلاثة أسابيع من بدء المسح، أجاب أكثر من 3000 من مستخدمي موقع فيسبوك.
وكان أحد أبرز الاستنتاجات يتعلَّق بالاضطرابات النفسية اللاحقة للإصابة بالصدمة. وذكر 70% من سكان غزة و57% من سكان الضفة الغربية الذين شاركوا في المسح إصابتهم بأعراض تكشف عن اضطرابات ما بعد الصدمة، مع ارتفاع النسبة لدى النساء ومن نزحوا عن ديارهم.
وكان كثيرُ من التعليقات التي كتبها المجيبون على صفحة هذا المسح على موقع فيسبوك يتعلق بالصدمة التي تعرَّض لها الأطفال الفلسطينيون، إذ لم يكن كثيرٌ منهم يستطيع النوم بشكل جيد ليلاً.
لقد أبرز المسح على موقع فيسبوك الاحتياجات قصيرة الأجل التي أفرزها الصراع في مايو/أيار 2021، لكن يلزم إجراء مزيد من البحوث لفهم مدى وشدة الصدمة التي أحدثها الصراع، وتداعياته طويلة الأجل وغير المباشرة على سبل كسب الرزق ورأس المال البشري.
ولتوسيع نطاق هذه البحوث، يقوم البنك الدولي بمساندة “الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني” في تنفيذ أول مسحِ له مُمثِّلٍ للأوضاع على المستوى الوطني للصحة العقلية. ويسير هذا الأمر على نهج الاتجاهات الدولية السائدة، حيث بدأ إدراج الصحة العقلية في الإحصاءات الرسمية (انظر على سبيل المثال مكتب الإحصاءات الوطنية في المملكة المتحدة، وهيئة الإحصاءات الهولندية).
وبتمويل من “الصندوق الاستئماني لبناء قدرات الدول وبناء السلام”، وفي شراكةٍ مع “المركز الدولي للأمن والتنمية”، ومع “مركز أوبرليبين”، يقوم “الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني” بإعداد مسح استقصائي لرصد بعضٍ من أهم جوانب الصحة العقلية.
ويتضمَّن هذا المسح نماذجَ لرصد العلامات على الاتجاهات العدوانية، وأعراض الاكتئاب باستخدام مؤشر الرفاهة لمنظمة الصحة العالمية، وأعراض الاضطرابات النفسية اللاحقة للصدمة، والاضطرابات النفسية المعقدة اللاحقة للصدمة باستخدام الاستبيان الدولي للصدمات.
ومن شأن هذا المسح أن يمنح فرصةً للسكان الذين تعرَّضوا لصدمات شديدة، إذ يتيح لهم منصة للتعبير عما أصاب صحتهم العقلية من أضرار.
وستساعد نتائج المسح في تصميم برامج تهدف إلى معالجة الآثار طويلة الأجل للصراع، وتقديم توصيات لمعالجة مشكلات الصحة العقلية للفلسطينيين، علاوة على بدء حوارٍ بشأن موضوع يشوبه قدرٌ كبيرُ من الوصم بالعار.