قدمت وزارة المالية مسودة لقانون ضريبة القيمة المضافة، في محاولة لتحرير القوانين الضريبية من القيود الواردة في اتفاق باريس الاقتصادي، والتحرر من وصف القوانين كقوانين جباية، وسعياً منها إلى المساهمة في تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والعدالة الضريبية.
ويأتي ذلك في سياق مساعي وزارة المالية الفلسطينية لتعديل المنظومة القانونية لقطاع الإيرادات العامة،
وتعرف ضريبة القيمة المضافة بأنها ضريبة تفرض على جميع السلع والخدمات المنتجة محلياً والمستوردة من الخارج في جميع مراحل تسويقها، وتبلغ نسبة ضريبة القيمة المضافة في فلسطين في الوقت الحالي 16 %.
وخلال لقاء طاولة مستديرة لمعهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) قدم المعهد ورقة اقتصادية بعنوان "قانون ضريبة القيمة المضافة ما بين القطاعين العام والخاص" تناولت مبررات قانون ضريبة القيمة المضافة، مشيرةً إلى القصور الذي يعتري النظام القانوني الحالي، وقصور التشريعات القائمة على مواكبة الأهداف وغايات الخطية الاستراتيجية للإيرادات الفلسطينية.
وأضافت أن القانون الناظم لضريبة القيمة المضافة يشوبه الغموض والتعقيد، بالإضافة إلى ضعف الوعي الضريبي وجهل المكلفين بقانون ضريبة القيمة المضافة الحالي لما يحتويه من غموض وتعقيد بصفته قانون قديم مترجم من اللغة العبرية.
وقدم المشاركون في الطاولة المستديرة توصيات زمنية طالبت بعدم التسرع في إقرار القانون، وعدم إقراره في الوقت الراهن، بسبب التطورات الاقتصادية العالمية والمحلية وموجة ارتفاع الأسعار المتتالية الناجمة عن جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية.
وأكدوا أن إقرار القوانين الضريبية يتطلب استقراراً اقتصادياً واجتماعياً، وإعادة طرح القانون للحوار الشامل العام واشراك كافة القطاعات الاقتصادية والمهنية والأكاديمية في صياغة مواد القانون.
كما أشارت الورقة الاقتصادية إلى أن القانون لم يراع الحالة الفلسطينية والوضع الاجتماعي للأفراد الأكثر فقراً في فلسطين وتم انتقاده من قبل القطاع الخاص، وأن رؤية الحكومة غير مشجعة للاستثمار بسبب تركيزها على الهدف النهائي المتمثل في جابية أكبر قدر ممكن من الايرادات من خلال فرض الضرائب، وأن القانون يشوبه الكثير من الإشكاليات التي لم تراع الوضع العام، نتيجة لتعطل المجلس التشريعي ورفع مسودة القانون من قبل الإدارة التنفيذية لمجلس الوزراء.
ودعت إلى ضرورة صياغة القانون بالتعاون مع مختلف الجهات وليس من قبل وزارة المالية فقط، حيث أعطى القانون صلاحيات فضفاضة للمدير والمدير العام والموظف، بحيث يمكن استغلال ضريبة القيمة المضافة كحافز تشجيعي لبعض القطاعات مثل اعفاء قطاع السياحة من الضريبة.
وتناولت الورقة أهداف القانون، حيث تعتبر الضرائب غير المباشرة مثل ضريبة القيمة المضافة الأداء الأساسية في سياسة الإيرادات بشكل عام، وفي فلسطين بشكل خاص، الأمر الذي يعطيها بعداً اقتصادياً وماليا واجتماعياً مهماً، ليس في تمويل النفقات الحكومية فحسب، وإنما في خلق عدالة في توزيع الدخل وتحقيق العدالة الاجتماعية من خلال فرض نسب متدنية على السلع التي تقوم الطبقات الفقيرة باستهلاكها، إضافة إلى دورها التنموي في دعم قطاعات الإنتاج الرئيسية.
وبحسب تصريحات وزارة المالية، صيغ القانون بطريقة لا تركز على العنصر الجبائي فقط، وإنما لتساعد في التحرر والانفكاك التدريجي من اتفاق باريس الاقتصادي الذي فرض علينا الغلاف الجمركي الإسرائيلي، ووضع نظرة مستقبلية للتعامل الضريبي من خلال توفير المرونة اللازمة لمراعاة الأوضاع الاقتصادية المختلفة، وتمكين مجلس الوزراء من عكس السياسات الضريبية الداعمة للقطاعات الاقتصادية في المستقبل حسب التطورات الميدانية الفعلية من خلال تطبيق قانون ضريبة القيمة المضافة، بشكل تدريجي، وبنسب مختلفة على البضائع والمنتجات والخدمات المنتجة والمقدمة في الاقتصاد الفلسطيني.
وبحسب الورقة الاقتصادية أظهرت وزارة المالية تجاوباً عالياً مع طروحات مؤسسات القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني حيث تم التعامل مع حوالي 80% من مجموع الاقتراحات المقدمة إيجابياً، في حين لم تصل الوزارة إلى قناعة بضرورة تعديل جزء من المقترحات، وبخاصة تلك المتعلقة بالتقدير والصلاحيات الإدارية والتشريعية للدوائر الضريبية والتحصيل والجباية والاعتراض.
وأشارت الورقة أيضاً إلى عدم رضى مؤسسات القطاع الخاص التام عن النسخة الرابعة والأخيرة، حيث لم يأخذ القانون بالعديد من الملاحظات الجوهرية التي قدموها، وما زال هناك العديد من القضايا العالقة التي لم يتم الاتفاق عليها، وأبرزها تلك التي تتعلق بالنصوص الضريبية التخصصية، ورفع رفع نسبة الضريبة على الأرباح والأجور في المؤسسات المالية من 15% إلى 16%، كما طالب القطاع الخاص بتوضيحات حول ماهية أنشطة المؤسسات غير الهادفة للربح التي تنافسه، والتي سيتم فرض ضريبة القيمة المضافة عليها.
وبينت أن هناك العديد من التعديلات التي أدخلت على النسخة الأولى لمسودة القانون بناء على طلب القطاع الخاص مثل عدم إخضاع القطاع السياحي للضريبة، وعدم إخضاع القطاع العقاري والصفقة الواحدة ونقل الملكيات بالنسبة للأفراد للضريبة، وإعفاء الصفقات العقارية للمطورين شريطة تقديم فواتير المدخلات، وإلغاء ضريبة المناشير، وإعفاء المتاجرة بالأشجار من الضريبة، وإعفاء الأفراد من شهادة الضريبة (براءة ذمة) في معاملة الأراضي والعقار واقتصارها على قطاع الأعمال.
وقدمت الورقة الاقتصادية توصيات سياسية وأخرى قانونية لتحديد السياسة الاقتصادية والمالية والضريبية المتعلقة بضريبة القيمة المضافة، ومناقشة هذه السياسات مع ممثلي القطاع الخاص والمستهلكين ليصاغ القانون بعد ذلك، على أن يحتوي على جدول يفصّل القطاعات، والسلع، والنسب المفروضة على كل سلعة.
كما طالبت الورقة بضرورة إعادة النظر في تبويب وصياغة نصوص القانون بحيث يراعي المبادئ والتوجيهات العالمية لضريبة القيمة المضافة، ويبتعد عن تبويب ونصوص ومظلة قانون ضريبة القيمة المضافة الإسرائيلي العام 1975، وإعادة النظر في الصلاحيات الهائلة الممنوحة للسلطة التنفيذية، والبت في أكبر قدر ممكن من الصلاحيات ضمن نصوص القانون، بالإضافة إلى طرح اللوائح والأنظمة مع القانون في رزمة واحدة بشكل يتكامل مع القانون أولاً.