اليوم السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤م

أخلاقيات التجارة والتجار

١٦‏/٠٤‏/٢٠٢٢, ١٠:٢٨:٠٠ ص
الاقتصادية

علم الاقتصاد هو علم يسعى لدراسة السلوك للوحدات الاقتصادية مثل المستهلك والشركة او التاجر وكذلك الحكومة، فهو علم اجتماعي يتأثر بسلوك هذه الوحدات  الاجتماعية. كما ان النظم الفكرية دينية او وضعية بكل جوانبها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لا بد وان تتوج بمنظومة اخلاقية وقيمية والتي تتشابه مع بعضها البعض في المجال التجاري بشكل او بآخر.

 

فالقواعد والسلوكيات التجارية لا تعتمد وتتحدد بالقوانين والأنظمة ولوائح الاتحادات ذات العلاقة وانما ايضا بناء على أخلاقيات التجار التي تحدد سمعتهم Reputation وسمعة شركاتهم  وعلاماتهم التجارية Trade Markوالتي قد تُقّيم بالملايين او المليارات. كما ان اتساع نطاق التصنيع والتجارة وانواع السلع واشكالها وتعدد الاسواق وتفشيها وانتشار العولمة زاد من فرص الغش التجاري والخداع والمنتجات الوهمية والمقلدة وزاد من صعوبة التقييم الحقيقي، بل ان فشو التجارة ادخل عليها من لم يتمتع بتقاليدها الراسخة وادابها المتوارثة ودون تعلم مما اوردهم الموارد اخلاقيا ودينيا وقانونيا، وهو ما نبه عليه امير المؤمنين عمر رضي الله عنه بقوله لا يبع في سوقنا الا من تفقه في الدين، وكذلك قول علي رضي الله عنه، من اتجر قبل ان يتفقه ارتطم في الربا ثم ارتطم ثم ارتطم. اضف الى ذلك ان اعتماد المعايير المادية دون الاخلاقية وتقاليد التجارة الراسخة جعل القوة التجارية والسيولة النقدية معايير اختيار القائمين على الاتحادات التجارية حتى لجهلة او ذوي مثالب اخلاقية. ان هذا الامر يجعل المفاسد مستساغة وقبول الفاسد وعدم نبذه اجتماعيا امرا مقبولا.

 

ان الواقع الفلسطيني المرير في هذا المجال يمكن استكشافه بقوة من خلال السوق وحجم السلع المقلدة والرديئة التي تتمتع بهامش ربح اكبر بكثير من السلع ذات الجودة العالية مما يدفعهم للبحث حثيثا عن طلب تقليد هذه المنتجات لتخفيض التكاليف، ولا يخفى ما لذلك من آثار خطيرة على الصحة بسبب الأجهزة الكهربائية واشباه الموصلات وما الحريق الاخير الذي اودى بحياة ام واطفالها قبل عدة اسابيع في الضفة الغربية الا بسبب شاحن للهاتف الخلوي. كما ان هناك آثارا اقتصادية خطيرة ناجمة عن تسريب المدخرات المحلية للخارج وذلك لتكرار استيراد العشرات من السلعة المقلدة وما يتبع ذلك من ارباح تجزئة وتكلفة نقل وذلك في مقابل كل سلعة اصلية. كما لا ننسى حجم التلوث الناجم عن مثل هذه المنتجات.

 

ان التاجر الصدوق لا يقبل ان يسوق منتجات منتهية الصلاحية او فاسدة تحت غطاء عروض الاسعار او منتجات تحتوي على الخمور لغرض ارباح بخسة ويراهن على قدرته على تحمل الغرامات المالية حال الامساك به واللامبالاة الاجتماعية. والاكثر غرابة ان تجد المحال التجارية الكبيرة التي تتواجد فيها المتناقضات من ماركات اصلية لا تقلد وأجهزة بطلب المستورد مجرد شكل لا معنى لها، او منتجات غذائية في متاجر اخرى كبيرة تجدها منتجات على شفا التلف. ان ضعف اداء مؤسسة المواصفات والمقاييس الفلسطينية في مواكبة وتطوير معاييرها وضعف الرقابة وكفاءة اجهزتها سواء على المعابر او من خلال الوزارات المختصة يخلق مرتعا لنفايات البضائع سواء المطلوبة من المستورد لتحقيق اكبر ربح ممكن او المستوردة من اسرائيل لانتهاء صلاحيتها.

 

كما لا يقتصر الامر على الاستيراد والبيع بالتجزئة وانما على الصناعات المحلية والخدمات واعتبار الغش واقتناص الزبون غنيمة وفرصة واجبة الاستغلال دون وازع ذاتي بما فيها رفع الاسعار، واستغلال الفرصة في التأثير على موظفي القطاع العام ماديا ومعنويا لانتهاك القانون.

 

وليس أدل على ما نقول من ان تجد اسعار السلع الاساسية اغلى في دولنا الفقيرة واردء من تلكم في الدول المتقدمة اقتصاديا.

 

واخير فان التاجر الصدوق الامين مع الانبياء والصديقين والشهداء، كما ان المنفق سلعته بالحلف الكاذب لا ينظر الله اليه ولا يزكيه يوم القيامة، او كما قال صلى الله عليه وسلم.