
غزة- خاص الاقتصادية- محمد خالد أبو جياب:
حصلت (صحيفة الاقتصادية) على معلومات موثوقة توضح آلية إبتزاز سلطات الاحتلال الاسرائيلي لكبار تجار غزة عبر "كوتة محددة من التجار لا يتجاوزون الثلاثة" لهم صلة بجهات نافذة في الجيش (ضباط).
وتقوم هذه السياسية التي تهدف أولاً وأخيراً لتحقيق أرباح طائلة لهؤلاء التجار ولضباط في الجيش الاسرائيلي، على بيع البضائع إلى تجار محليين اخرين بأسعار تصل لعشر أضعاف سعرها الطبيعي، وصولاً إلى المواطن العادي.
وبحسب شهادة، أحد كبار العاملين في قطاع النقل الخاص، والذي تحدث للصحيفة وفضل عدم الكشف عن إسمه، فإن الاحتلال كرس سياسة ابتزاز تجار غزة من خلال اقتصار العمل فيما يخص إدخال البضائع والسلع للقطاع على 3 تجار فقط وهم “غ” و”خ” و”ض” (تتحفظ الاقتصادية عل ذكر أسماءهم كاملة) مقابل حرمان الباقين من الإستيراد.
ويقول إن الأشخاص الثلاثة يعملون عبر التنسيق مع جهات عليا في الجيش الاسرائيلي تستفيد نفسها من التنسيقات التجارية وتستغلها لتحقيق أطماع شخصية بالحصول على أموال طائلة.
ويضيف أن البضائع تدخل لهؤلاء التجار من خلال معبري كرم أبو سالم وكوسوفيم يتم تأمينها بالكامل فيما “جرت محاولات لإدخال بضائع أخري لتجار أخرين عبر ميراج وتعرضت للسرقة”.
ثروات تصل لميار دولار
ويضيف أن اقتصار الاحتلال على التجار الثلاثة أوصل بعضم لتحقيق ثروات شخصية وصلت إلى مليار شيكل وخلق فئة جديدة لم تكن تصنف ضمن التجار وتحقق من خلال إدخال شحنة بضائع واحدة عبر المعابر ما يصل إل 20 مليون شيكل.
ويشير إلى أن هؤلاء التجار عمدو على تنفيذ سياسات نافذة في الجيش الاسرائيلي بهدف تحقيق أرباح طائلة بعيداً عن مراعاة الأوضاع الانسانية في قطاع غزة في ظل استمرار الحرب ، عبر إدخال مواد غير موجودة في الأسواق، مثل ألواح الطاقة الشمسية والسجائر والهواتف الذكية والتي منع الاحتلال ادخالها للقطاع في وقت سابق من الحرب لعدة أشهر.
وينوه إلى أن الفواكه والمواد الغذائية تدخل لغزة كنوع من الغطاء على أصناف أخرى تحقق أرباح تصل إلى ملايين الشواكل في السوق المحلية.
مؤسسات دولية متورطة
ويؤكد أن هناك مؤسسات دولية متورطة في استغلال حاجات المواطنين (تتحفظ الاقتصادية عل ذكر إسمها) واشترت مؤخراً من الداخل المحتل بطاريات بسعر 900 شيكل وباعتها بغزة بسعر 10 لاف دولار وعند إكتشاف الأمر وفضحه بيعت بسعر 5 لاف شيكل.
بدوره، يقول التاجر (س-ق) في حديث خاص لصحيفة الاقتصادية إنه تعرض لمساومات واتزاز علني قائم إما على التعاون الكامل ودفع ما يطلب منا من أموال بالطريقة التي يحددونها أو التوقف وعدم السماح لنا بالعمل مستقبلاً.
ويضيف التاجر أنه يتحدث بهذه التفاصيل ولا يستطيع حالياً ذكر إسمه كاملاً عبر الإعلام، مبيناً أن البعض من التجار قبل بذلك ويعمل الان بامتيازات مفتوحة والغالبية رفضوا التعاون وهم الان بلا عمل.
ويحذر من وجود تجار "مرضي عنهم من قبل الاحتلال" وأصبحوا يستقلون سيارات تحمل لوحات "صفراء"، تدخل لهم منتجات يتعطش لها السوق بالتنسيق مع جهات نافذة بالجيش، تحت ما يعرف بـ "التنسيق المفتوح" في شكل خطير، بعيداً عن الرقابة، ما يضعهم في دائرة الشك والشبهات المالية والامنية.
هندسة الازمات الاقتصادية
وبين أن هدف هذا الابتزاز هو تعزيز ادوات القتل والتعذيب للمواطنين في القطاع بحيث لا تقتصر على القتل بالصواريخ والقذائف، بل لتصل الى التجويع الغير مباشر عبر اسعار فلكية للسلع الاساسية والضرورية لاستمرار الحياة بحدها الادنى في غزة.
ويشير في تصريحاته الخاصة الى ان ازمات الاسعار وعدم استخدام عملة العشرة شواكل المعدنية والاوراق التالفة، واخيرا ازمة الفكة هي من صنيعة هذا الابتزاز الامني والاقتصادي من قبل الاحتلال، فالكل يعمل تحت التعليمات وينفذ ما يطلب منه مقابل استمرار تدفق البضائع بشكل حصري لمخازنهم ولتحترق غزة بالأزمات الاقتصادية كما يقول بعضهم في الجلسات المغلقة على حد وصف المصدر.
تدمير الدورة المالية
من جانبه، يقول رئيس اللجنة الاقتصادية في الغرفة التجارية بمحافظة غزة رجل الاعمال داوود السوافيري، إن سياسة الابتزاز للتجار كانت وليدة إنطلاق شرارة الحرب على غزة من خلال سياسة منظمة أقصت عدد كبير من كبار التجار والمستوردين على حد سواء.
ويضيف السوافيري في تصريحاته الخاصة لصحيفة الاقتصادية، أن سياسة الابتزاز المنظمة عملت على تدمير الدورة المالية من خلال اخراج مئات ملايين الدولارات من الدورة الاقتصادية وساهمت في إشعال أسعار السلع وإنهاك المواطن الغزي وتدمير وإنهاك القطاع الخاص بشكل كامل.
ويشير إلى أن المعابر خلال فترة الابادة مرت بأربعة مراحل الأولى منذ بداية الحرب حتى 5 مايو أيار 2024، خلال هذه الفترة دخل 2400 شاحنة من المواد الغذائية واللحوم والمجدات ومواد النظافة، بإجمالي تنسيقات دفعها التجار بقيمة تصل إل 28 مليون دولار مقابل 4 مليون دولار كانت تدفع قبل الحرب.
ويتابع أن الفترة الثانية امتدت من 10 مايو 2024 حتى الثاني من أكتوبر وسمح خلالها للقطاع الخاص بالتنسيق من نفسه ودفع خلالها مبلغ 33 مليون دولار كتنسيقات، فيما امتدت الفترة الثالثة من 2 أكتوبر 2024 حتى 19 يناير 2025 والتي تعتبر الأكثر ابتزلزاً ومنع القطاع الخاص من التنسيقات، حيث سمح بإدخال المواد فقط للمؤسسات الاغاثية في خطة أحدثت فساداً، وسمح خلالها بدخول 5 لاف شاحنة دفعت تنسيقات بقيمة 433 مليون و600 ألف دولار أميركي، مقابل 10 ملايين دولار في الوضع الطبيعي قبل الحرب.
ويوضح أن المرحلة الرابعة امتدت من 19 يناير حتى 2 مارس (التهدئة) وسميت بعملية الدخول الإنساني للمواد، وسمح خلالها بالاستيراد من مصر والضفة الغربية لغزة، وأشرفت عليها مؤسسات انسانية أيضاً باعت التنسيقات للتجار، وأدخل عبرها 14 ألف شاحنة، بقيمة تنسيقات 310 ملايين دولار.
ويلفت إلى أن إجمالي التنسيقات التي دخلت منذ بداية الحرب حت 2 مارس 2025 بلغت 800 مليون دولار أميركي، ما يعتبر ابتزازاً واضحاً للتجار.
ويستكمل أن ما بعد 2 مارس، سمح الاحتلال بإدخال البضائع من قبل ثلاثة أشخاص فقط ولا يدفعون أي تنسيقات، ويبيعون المواد وفقاً لأهواءهم الشخصية، ويشترطون عل التجار للعمل معهم عبر ايداع مبلغ مسبق من المال وأخذ البضائع فيما بعد، ويبيعونهم المنتجات بأسعار خيالية تصل لعشرة أضعافها بهدف تحقيق أرباح طائلة.
ويحذر السوافيري من أن سياسة الابتزاز المتبعة من قبل هؤلاء التجار تنعكس سلباً بالدرجة الأولى على المواطن وصموده وتخرج عدد كبير من التجار من السوق المحلي في القطاع.
ويؤكد أنه تم إرفاق قائمة بأسماء التجار إلى وزارتي الاقتصاد والمالية لمحاسبة التجار الذين يستغلون حاجات المواطنين ويستغلونهم عبر بيع البضائع بأسعار خيالية. متوقعاً محاسبة هؤلاء التجار بعد الحرب، في ظل غياب عمل الجهات المختصة في الوضع الراهن.
ابتزاز امني وتهديدات
إلى ذلك، يقول رئيس غرفة تجارة وصناعة غزة عائد أبو رمضان، إن "اسرائيل عمدت على ابتزاز تجار غزة عبر اقتصار إدخال المواد الغذائية والسلع منذ اكتوبر الماضي من خلال المؤسسات الدولية وصولاً للسماح لثلاثة من التجار فقط".
ويضيف ابو رمضان لصحيفة الاقتصادية أن "السماح لتاجرين أو ثلاثة فقط جعل التجار الآخرين مضطرون للشراء منهم بمبالغ عالية جداً، والتحكم في الأسعار، ووقوعهم فريسة للاحتكار".
ويشير إلى أن "التجار الآخرين يشترون بأسعار تصل لعشر أضعاف التكلفة، بحيث يشتريها التاجر ثم يبيعها لآخر، أخيراً يكون الضحية المواطن الفلسطيني العادي".
الاسعار ارتفعت 2300%
ويوضح أن "تنقل البضائع من تاجر لآخر رفع السعر على المستهلك، مبيناً أن احتكار السلع من قبل تاجرين تسبب برفع الأسعار والتضخم لحوالي 2300%، بواقع ارتفاع 23 ضعفاً، وصول لإنخفاض بنسبة 900%".
ويؤكد أن "ارتفاع الأسعار ساهم في مفاقمة المجاعة، وسوء التغذية عند جميع فئات المجتمع من الأطفال والشباب وكبار السن، كون كمية الطعام غير كافية، ونوعية الطعام محصورة بالكماليات كون التاجرين المسموح لهم بادخال البضائع يهدفون للربح فقط".
ويشدد على أن "100% من سكان غزة مصنفين تحت خط الفقر، ونسبة البطالة وصلت إلى 80%، منبها أن سكان غزة غير قادرين بالأساس على شراء الطعام بأسعارها الطبيعية في ظل مرور قرابة عامين على الحرب".
ويلفت رئيس الإغرفة التجارية إلى أن "اقتصار الاحتلال الاستيراد لإدخال السلع على ثلاثة تجار ادخل فئات التجار والمستوردين داخل دائرة البطالة في قطاع غزة، خاصة وأن كثير منهم يرفضون شراء البضائع بأسعار مرتفعة وبيعها للمواطنين حفاظاً على سمعتهم في السوق".
ويحذر من أن التجار والمستوردين والمستهلكين في غزة أصبحوا رهينة لما يُسمى بـ"مزاج التنسيق الإسرائيلي" ويواجهون حرباً لا تقل عن الة القتل اليومية.
خطوات مطلوبة
وفي ذات الإطار، يؤكد مدير مكتب أمان الإقليمي في قطاع غزة وائل بعلوشة، أن التجار يتعرضون لشكل من أشكال الابتزاز الممنهج بفعل سيطرة الاحتلال الإسرائيلي على معبر رفح وبقية المعابر التجارية التي تُعد شرايين الحياة الاقتصادية للقطاع.
ويقول إن هؤلاء التجار يجدون أنفسهم مجبرين على دفع تكاليف باهظة ورشى غير مباشرة، سواء عبر شركات احتكارية مرتبطة بالاحتلال أو من خلال اشتراطات معقدة ومتكررة تتعلق بتصاريح المرور وإدخال البضائع.
ويضيف أن “هذا التحكم لا يقتصر على الجانب المالي فحسب، بل يمتد إلى فرض قيود على نوعية وكميات السلع المسموح بدخولها، ما يدفع التجار إلى الرضوخ لشروط مُجحفة تهدد استمرارية أعمالهم. وفي كثير من الأحيان، يُستغل تعطيل المعابر أو إغلاقها كأداة ضغط سياسية واقتصادية، تضع التجار أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما الاستسلام للابتزاز والخسارة المالية، أو مواجهة شلل تام في أعمالهم وتراكم الديون. وبهذا تحوّل المعابر إلى أداة ابتزاز يومية تكرّس التبعية وتُضعف قدرة السوق المحلية على الصمود”.
ويشير إلى أن “المواطن الفلسطيني هو الضحية المباشرة لسياسات الابتزاز الإسرائيلي والتي لا تقتصر على حرمانه من المساعدات أو عرقلة إدخالها، بل تمتد إلى السماح بمرور بضائع محدودة تُباع لاحقًا بأسعار مرتفعة جدًا، بما يحوّل الحاجات الأساسية إلى أدوات ضغط وتجويع، والنتيجة أن الفلسطيني يجد نفسه يوميًا عاجزًا عن تأمين متطلبات العيش الكريم بسبب احتكار الاحتلال للتحكم بالمعابر وآليات إدخال البضائع”.
ويؤكد على ضرورة تفعيل التدخلات الدولية والإنسانية لوقف الابتزاز الاسرائيلي للتجارعبر إنشاء آلية دولية مستقلة لإدارة إدخال المساعدات، بإشراف الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية محايدة، بحيث لا تبقى المعابر رهينة قرار الاحتلال، مشدداً أن “هذا الإجراء وحده كفيل بتقليل مستوى الابتزاز وحرمان إسرائيل من التحكم بمصير حياة الناس”.
ويشدد على ضرورة تحرك المؤسسات الحقوقية الدولية لإدراج سياسة منع المساعدات ضمن إطار جرائم الحرب، باعتبارها شكلاً من أشكال التجويع القسري الذي تحرّمه اتفاقيات جنيف، حيث أن تحويل هذا الملف إلى قضية قانونية دولية سيجعل الاحتلال تحت ضغط دائم ويحد من ممارساته.
ويدعو مركز أمان إلى ضرورة إيجاد ضغط سياسي واقتصادي من الدول المانحة والاتحاد الأوروبي لربط أي تعاون مع إسرائيل بوقف ممارسات الابتزاز عند المعابر، بما في ذلك الاعتداء على شاحنات الإغاثة أو فرض قيود غير مبررة على دخول البضائع.
ويطالب بضرورة تعزيز دور الوكالات الإنسانية الكبرى مثل الأونروا وأوتشا، ليس فقط في توزيع المساعدات، بل في توثيق الانتهاكات ومخاطبة الرأي العام العالمي، منبهاً إلى أن وجود تقارير دورية وموثقة يضمن أن مأساة غزة لا تُختزل في مشاهد عابرة، بل تبقى حاضرة كملف ضاغط على دوائر صنع القرار.